بل تكون حقيقة في الأعمّ ، فإن قلنا بثبوت معنى عرفي لهذه التراكيب ، بأن يقال : المراد من أمثالها نفي الفائدة كما في قولهم : لا علم إلّا ما نفع ، ولا كلام إلّا ما أفاد ، فيحمل عليه ويعبّر عن الفائدة بالصّحة إذا كان في مثل العبادات ، إذ الصّحة هو ترتّب الأثر وهو مساوق الفائدة.
وإن لم نقل بثبوت ذلك ، فالأمر متردّد فيها بين أن يكون المراد نفي الفائدة أو نفي الكمال ، وإذا تردّد الأمر بين هذين المجازين فنقول : إنّ نفي الفائدة ، والصّحة أقرب الى الحقيقة من نفي الكمال ، فيحمل عليه فلا إجمال أيضا.
أقول : وبما حقّقنا في أوائل الكتاب (١) تعرف أنّه لا حاجة إلى إقحام كونها حقيقة شرعيّة في الصحيحة ، بل يكفي إرادة الشارع من الأركان المخترعة الصحيحة منها. ثمّ إنّ التمسّك بأقربيّة المجاز ليس من باب إثبات اللّغة بالترجيح ، بل من باب تعيين أحد المجازات بكثرة التعارف ، ولذلك يقال : هو العدم إذا كان بلا منفعة.
والمراد بكثرة التعارف كثرة إرادة هذا المجاز وظهوره في العرف ، لا صيرورتها حقيقة فيه ليناقض ما تقدّم (٢).
احتجّ القائل بالإجمال : باختلاف العرف في نفي الصّحة والكمال وتردّده ، فيلزم الإجمال.
والجواب (٣) : إن أريد أنّ أهل العرف مختلفون في الفهم ـ فبعضهم يدّعي ظهور هذا وبعضهم ظهور ذلك ـ فلا إجمال عند أحد منهم ، وكلّ يحمل على ما يفهمه.
__________________
(١) في قانون ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه.
(٢) فالمقصود بكثرة التعارف هو كونه شائعا في العرف ، وليس انّه صار حقيقة عرفية ليناقض دعوى المجازيّة التي إدّعاها سابقا.
(٣) مثله في «المعالم» ص ٣١٧.