فإنّا قد بيّنّا لك في المقدّمة الأولى أنّ الغرض من وضع الألفاظ هو تركيب معانيها وتفهيم التراكيب والأحكام المتعلّقة بمفاهيم تلك الألفاظ ، فإذا لم يرد في الكلام إسناد الى نفس مفهوم العامّ ، ولا إسناده الى شيء (١) ، سواء كان إسنادا تامّا أو ناقصا ، فما الفائدة في إرادتها؟
فإن قلت : ذكر العامّ وإرادة مفهومه أوّلا لأجل إحضاره في ذهن السّامع ، ثمّ إسناد الحكم الى بعضه وإخراج بعض آخر منه.
قلت : إنّما يتمّ هذا لو جعل العامّ في الكلام موضوعا لأن يحمل عليه هذان الحكمان (٢) ، مثل أن يقال : كلّ إنسان إمّا كاتب أو غير كاتب ، وأين هذا ممّا نحن فيه. وليس معنى قولنا : أكرم العلماء إلّا زيدا ، العلماء يجب إخراج زيد من جملتهم وإكرام الباقي ، فإنّه لا خلاف في صحّته وكونه حقيقة حينئذ.
ودعوى كون (٣) معنى هذا التركيب هو ما ذكرنا ، يحتاج الى الإثبات (٤).
والذي هو محطّ نظر أرباب البلاغة في أداء المعاني وإيهاماتهم ، إنّما هو بعد تصحيح اللّفظ ، بل جعله فصيحا أيضا.
نعم ، ملاحظة اعتباراتهم في البلاغة يتمّ فيما اخترناه كما أشرنا من جعل الإسناد أوّلا متوجّها الى العامّ ، ثم نصب القرينة على خلافه للنكتة التي ذكرنا وغيرها.
__________________
(١) أي لم يرد في الكلام اسناد مفهوم العام الى شيء سواء كان ذلك الإسناد ناقصا نحو الإسناد الإضافي أو تاما بأن يكون جملة خبريّة.
(٢) أي الإخراج والإبقاء.
(٣) أي لو ادعي انّ معنى أكرم العلماء إلّا زيد ، معناه يجب إخراج زيد من جملة العلماء وإكرام الباقي.
(٤) واثباته يكون بالتبادر ونحوه.