كون المخبرين في الكثرة إلى هذا الحدّ ، إذ ذلك من مقوّمات الماهيّة عندهم ، وإلّا فلا معنى لكون ذلك شرطا لحصول العلم بالمتواتر بعد ما أخذوا إفادة العلم بنفسه في تعريفه ، فإنّ ما يفيد العلم بنفسه لا يتوقّف حصول العلم بسببه على شرط آخر ، كما لا يخفى.
وأيضا قولهم (١) : ويشترط في حصول التواتر كون المخبرين في الكثرة إلى هذا الحدّ ، إمّا أن يراد به اعتبار الكثرة المطلقة باعتبار الجعل والاصطلاح في التواتر ، فما معنى تقييده بكونهم حدّا يمتنع تواطؤهم على الكذب ، وما وجه تخلية التعريف عن لفظ الكثرة ، إذ المراد كثرة الجماعة لا الكثرة مطلقا (٢) حتّى تشتمل الثلاثة ، مع أنّه ممّا يناقش في صدقه في الثلاثة أيضا ، فلا يحسن أن يقال أنّ الثلاثة أيضا كثير.
وإمّا أن يراد به الكثرة المقيّدة بما ذكر ، وحينئذ (٣) فنقول : إن أريد من امتناع تواطؤهم على الكذب عادة من جهة نفس الكثرة مع قطع النظر عن لوازم الخبر وعن كلّ شيء ، فمع أنّهم لا يقولون به ، لا يلائم تخصيصهم الاحتراز بما كان العلم من جهة القرائن الخارجة عن لوازم الخبر ، بل لا بدّ أن يحترزوا من القرائن اللّازمة للمخبر أيضا ، فالمتواتر حينئذ هو ما كان إفادته العلم من جهة الكثرة ؛ لا غير ، مع أنّه ليس لذلك معيار معيّن ، بل يختلف باختلاف لوازم الخبر جزما ، ولذلك لم يعيّن
__________________
(١) وهذا ايراد آخر قالوه.
(٢) هذا الشرط كثرة الجماعة لا الكثرة المطلقة بقرينة المخبرين بذلك ، وما يستفاد من تعريف التواتر الكثرة المطلقة لأنّهم قالوا خبر جماعة ، وبالجملة إنّ التعريف يصدق على الثلاثة بخلاف هذا الشرط.
(٣) أي حين تقييد الكثرة بالقيد المذكور.