وجه الدلالة : أنّه سبحانه علّق وجوب التبيّن على مجيء الفاسق ، فينتفي عند انتفائه ، عملا بمفهوم الشّرط ، وإذا لم يجب التبيّن عند مجيء غير الفاسق ، فإمّا أن يجب القبول وهو المطلوب ، أو الردّ وهو باطل ، لأنّه يقتضي كونه أسوأ حالا من الفاسق ، وهو واضح الفساد (١) ، هكذا ذكره كثير من الاصوليين (٢).
والوجه عندي : أنّه (٣) ليس من باب مفهوم الشرط ، لأنّ غاية ما يمكن توجيهه (٤) على ذلك أن يكون المعنى إن جاءكم خبر الفاسق فتبيّنوا ، ومفهومه (٥) إن لم يجئكم خبر الفاسق فلا يجب التبيّن ، سواء لم يجئكم خبر أصلا أو جاءكم خبر عدل ، فالمطلوب داخل في المفهوم وإن لم يكن هو هو.
وفيه : أوّلا : أنّ ظاهر الآية إن جاءكم الفاسق بالخبر ، ومفهومه إن لم يجئ الفاسق بالخبر ، لا إن لم يجئ خبر الفاسق.
وثانيا : أنّ المراد بالتبيّن والتثبّت طلب ظهور حال خبر الفاسق والثبات والقرار حتّى يظهر حال خبر الفاسق ، فكأنّه قال : تبيّنوا خبر الفاسق. فالمفهوم يقتضي عدم وجوب تبيّن حال خبر الفاسق ، لا خبر العادل ، للزوم وحدة الموضوع
__________________
(١) هذا كلّه الى هنا كما في «المعالم» ص ٣٤٥.
(٢) وليعرف أنّ ما ذكره كثير من الأصوليين منطبق على ما يستفاد من العرف ، فإنّ أصحاب الأذهان الصافية لا يفهمون من القضية المذكورة إلّا ما ذكر ، ولكن بحسب التدقيق وقواعد العربية انّ المستفاد من القضية المذكورة ما ذكره المصنف بقوله : أو لا ... الخ.
(٣) انّ هذا الاستدلال.
(٤) على ما وجّهه له سلطان العلماء. راجع حاشيته ص ٣٢٥.
(٥) سالبة بانتفاء الموضوع المركب من جزءين ، وانتفاؤه تارة بانتفاء الجزء الأوّل واخرى بانتفاء الجزء الثاني هذا كما في الحاشية.