وإن أراد منه عدم حصول العلم التفصيلي.
ففيه : أنّ عدم العلم التفصيلي لا يوجب البراءة مع ثبوت التكليف بالمجمل سيّما مع التمكّن بالإتيان به ، بأن يأتي بالمحتملات (١) بحسب القدرة والاستطاعة.
فإن قيل : لا نسلّم العلم الإجمالي بالتكليف بغير الضّروريات في أمثال زماننا ، بل إنّما تكليفنا هو العمل بالضّروريات واليقينيات.
قلنا : التكليف بغير الضّروريات يقيني : فإنّا نعلم بالضّرورة أنّ في الصلاة واجبات كثيرة علينا غير ما علم منها ضرورة ، مثل وجوبها أو مطلق مسمّى الركوع والسجود أيضا ، مع أنّا لا يمكننا معرفة تلك التفصيلات إلّا بالظّنون ، وأيضا الضّروريات أمور إجمالية غالبا لا يمكن الامتثال بها إلّا بما يفصّلها ، فالحكم بين المسلمين وقطع الدّعاوي ثبت وجوبه مثلا بالضّرورة أو بالإجماع ، لكن معرفة كيفية ذلك يحتاج إلى الظّنون التي يشتمل عليها كتب الفقهاء (٢) غاية الأمر حصول القطع في كيفيته ، بأنّ البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر ، لكن معرفة حقيقة المدّعي والمنكر والتمييز بينهما ، ومعرفة معنى البيّنة أنّه رجل أو امرأة أو واحد أو متعدّد ، أو يشترط فيه العدالة أم لا ، وأنّ العدالة أيّ شيء وبأيّ شيء تثبت ، وأنّ الحكم أيّ شيء (٣) ، إلى غير ذلك ممّا لا يحصل للفقيه إلّا باستعمال الظّنون ، كما لا يخفى على من ارتبط بالفقه قليلا فضلا عن المتدرّب فيه ، وهكذا جميع أبواب الفقه من العبادات والمعاملات والأحكام ، فمن قال إنّه يمكن
__________________
(١) من باب الاحتياط.
(٢) إذ عملوا في مقام الافتاء في كل مقام عند الترجيح بالظنّ ولو بالقرائن المقاميّة.
(٣) للاشتباه بينه وبين الفتوى.