وهو مقدّم ، فهو فاسد ، إذ بعد ملاحظة تعارض دليلي القولين لا شيء في مقابل أصل البراءة حتّى يقال أنّه ظنّيّ ولا نعمل به ، بل يرجع الكلام فيه ، إلى مثل جريان أصل البراءة فيما لا نصّ فيه ومقابله حينئذ هو أدلّة التوقّف والاحتياط وهو لا يقول به (١) ، والمستدلّ أيضا لا يقول به.
وإن أراد أنّ هذا التخيير إنّما هو في العمل بأيّهما اختار من القولين ، وعلى فرض اختيار كلّ منهما يصير واجبا عليه ، فلا معنى لأصل البراءة حينئذ ، نظير التخيير بين الرّجوع إلى المجتهدين كما مرّ ، فإنّ المفروض أنّ القول منحصر في وجوب الجهر أو وجوب الإخفات ، وأنّ أحدهما ثابت في نفس الأمر جزما ، لا أنّ الأصل عدم وجوب شيء ، والدّليل الظنّي دلّ على وجوب أحدهما فينفيه أصل البراءة ، فبعد ثبوت التخيير أيضا يثبت حكم جزما ، والتخيير في الرجوع إلى الدليلين أو القولين غير التخيير في اختيار أحد المدلولين (٢) ليكون تخييرا في أصل المسألة كما مرّ الإشارة إليه (٣) مرارا.
إذا عرفت هذا ، ظهر أنّه لا مناص (٤) عن العمل بالظنّ ، وأنّه حجّة إلّا ما صرّح الشارع بحرمته وثبت حرمته من جانبه مثل القياس والاستحسان ونحوهما (٥). والعبرة بقوّة الظنّ والمعيار هو الرّجحان في النظر ، فإذا حصل الظنّ بمدلول خبر
__________________
(١) فالمورد لا يقول به حتى يجعل ذلك من باب الالزام والتبكيت له.
(٢) كما في خصال الكفارة.
(٣) كما في مقام الاستدلال بآية النفر وغير ذلك.
(٤) لا ملجأ ولا مهرب ، وفي قوله تعالى : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) أي لات حين مهرب أي ليس وقت تأخر وفرار.
(٥) كالمصالح المرسلة وغيرها من البدع أعاذنا الله منها.