الواحد أكثر ممّا دلّ عليه أصل البراءة وغيره ، فيقدّم عليه ، وذلك ليس من قبيل ما نصّ الشّارع باعتباره من الظّنون ، كشهادة العدلين وغيرها ، فإنّه قد يحصل الظنّ بشاهد واحد أكثر من شاهدين ولا يعتبر ذلك ، لأنّ الشّارع جعل الشّاهدين من حيث إنّهما شاهدان مناطا للحكم ، لا من حيث الظنّ الحاصل بهما ، كالفتوى والإقرار وغيرهما (١).
والثاني (٢) : أنّه لو لم يجب العمل بالظنّ لزم ترجيح المرجوح على الرّاجح وهو بديهيّ البطلان ، ذكره العلّامة في «النهاية» وغيره.
وتوضيحه : أنّ لفظ الترجيح في قولنا : ترجيح المرجوح بمعنى الاختيار. ولفظ المرجوح عبارة عن القول بأنّ الموهوم حكم الله (٣) أو العمل بمقتضاه ، والرّاجح عبارة عن القول بأنّ المظنون حكم الله تعالى أو العمل بمقتضاه ، ومبدأ الاشتقاق في لفظ الرّاجح والمرجوح هو الرّجحان ، بمعنى استحقاق فاعله المدح أو الذمّ ، لا بمعنى كون الشيء ذا المصلحة الدّاعية إلى الفعل كما هو المصطلح في لفظ المرجّح والمرجوح في تركيب الترجيح بلا مرجّح ، وترجيح المرجوح المصطلحين عند
__________________
(١) الظاهر كونه مثالا للمنفي في قوله : لا من حيث الظنّ الحاصل بهما ، هذا ولعلّ المراد من غير الفتوى والاقرار مثل قول ذي اليد في الإخبار بالطهارة أو النجاسة.
(٢) من أدلّة حجيّة الظنّ المطلق.
(٣) وقد سها قلمه في هذا المقام ، ففسّر المرجوح بالقول : بأنّ الموهوم حكم الله ، مع أنّه عبارة عن نفس الموهوم ، كما أنّ الرّاجح عبارة عن المظنون ، وما ذكره هو معنى اختيار المرجوح على الرّاجح لا معنى المرجوح فقط. فملخّص ما ذكره : انّ اختيار المرجوح على الرّاجح إما قولي وهو القول بأنّ حكم الله تعالى في الواقعة هو الموهوم أو عملي وهو تطبيق الحركات الخارجية على الموهوم على أنّه حكم الله تعالى. هذا كما أفاده السيّد القزويني في حاشيته.