نزاعهم في أنّ الترجيح بلا مرجّح محال وخلافه ، وكذا ترجيح المرجوح.
وبالجملة ، المراد أنّ الفتوى والعمل بالموهوم مرجوح عند العقل ، والفتوى والعمل بالرّاجح حسن.
ووجهه أنّ الأوّل يشبه الكذب ، بل هو هو ، بخلاف الثاني ، ولا يجوز ترك الحسن واختيار القبيح (١).
وأورد على هذا : بأنّه إنّما يتمّ إذا ثبت وجوب الإفتاء والعمل ، ولا دليل عليه من العقل ولا من النقل ، إذ العقل إنّما يدلّ على أنّه لو وجب الإفتاء أو العمل ، يجب اختيار الرّاجح ، وثبوت وجوب الإفتاء لا يحكم به العقل.
وأمّا النقل فلأنّه لا دليل على وجوب الإفتاء عند عدم القطع بالحكم. والإجماع الذي ادّعوه على وجوب الإفتاء على المفتي فيما نحن فيه ، ممنوع ، إذ الأخباريون الّذين يعتبر فتواهم في انعقاد الإجماع مخالفون في ذلك ، ويقولون بوجوب التوقّف أو الاحتياط عند فقد ما يفيد القطع.
أقول : وهذا الإيراد في جانب المقابل من الإيراد المتقدّم في الدّليل الأوّل وكما أنّه إفراط ، فهذا تفريط ، وإذ قد أبطلنا العمل بأصل البراءة ثمّة ، فبطلان التوقّف والاحتياط هنا أولى.
فإنّا نقول أوّلا : وجوب العمل بالمقطوع به (٢) في الفرعيّات أوّل الكلام وما دلّ
__________________
(١) أي ترك الصدق واختيار الكذب. ولا يجوز أي ولا يصح أو يقبح أو يحرم لا أنّه غير ممكن.
(٢) يعني وجوب الامتثال العلمي التفصيلي للأحكام المعلومة بالإجمال ، والعقل مستقلّ بذلك الوجوب على تقدير إمكان العلم وانفتاح بابه ، ولا حاجة معه الى التمسّك بالظواهر المذكورة حتى يخدش بما ذكره.