العدالة معركة للآراء ، والاستدلال بالآية غاية الظنّ ، ولم يحصل العلم بحجّية هذا الظنّ كما مرّ ، مع انّ الشيخ صرّح بجواز العمل بخبر المتحرّز عن الكذب وإن كان فاسقا بجوارحه ، ولا ريب أنّ ذلك من القرائن الدّاخلة لا القرائن الخارجة ، مع أنّ المشهور بينهم جواز العمل بالخبر الضّعيف المعتضد بعمل الأصحاب ، ولا ريب أنّ ذلك (١) لا يفيد إلّا الظنّ ، وغايته أن يثبت حجّية هذا الظنّ بما ورد من الأخذ بالمشهور بين الأصحاب ، وهو مع أنّه قد يعارض بغيره من المرجّحات ، ظنّ حاصل من خبر الواحد ، بل من الترجيح الحاصل بين مختلفاتها وقد عرفت حاله. والحاصل ، أنّا إن لم نجوّز العمل بخبر الفاسق فإنّما هو لأجل عدم حصول الظنّ به أو لحصول الظنّ بعدمه ، لا لأنّه فاسق وإن حصل الظنّ به.
وهكذا يقال إذا أورد النقض بالقياس أيضا ، بل نقول : انّ الواجب على المجتهد العمل بمقتضى ما يؤدّيه إلى الظنّ بالحكم من الأدلّة التي تتداول (٢) إلّا خبر الفاسق مثلا أو القياس مثلا ، وذلك إمّا لأنّهما لا يفيدان الظنّ (٣) ، وذلك هو علّة منع الشّارع عنهما أو لأنّهما مستثنيان من الأدلّة المفيدة للظنّ (٤) ، لا أنّ الظنّ الحاصل منهما مستثنى من مطلق الظنّ (٥).
وهذا الكلام يجري في الوجه الأوّل أيضا (٦) ، لأنّ تكليف ما لا يطاق إذا
__________________
(١) أي هذا الاعتضاد.
(٢) أي الأدلّة الظنيّة والتي يستعملها المجتهدون في المسائل الفرعيّة.
(٣) فالوجه الأوّل على التقرير الأوّل والوجه الثاني على التقرير الثاني.
(٤) وهذا هو الوجه الثاني المبني على التقرير الثاني للدليل.
(٥) ولا محذور فيه لو قلنا بذلك أيضا على ما عرفت.
(٦) يعني ما ذكرناه من التوجيه لتصحيح استثناء خبر الفاسق ، والقياس يجري في دليل ـ