فما المناص في العمل والتخلّص عن لزوم تكليف ما لا يطاق ، فإن عملت بأصل البراءة حينئذ ، فلم لم تعمل به أوّلا؟
قلت : المناص حينئذ هو المناص حين تعارض الأدلّة لمن لم يرجّح شيئا مع وجود الأدلّة المعلومة الحجّية ، فيتوقّف في الفتوى أو يبني على أصل البراءة. وكذلك في الظّنون الغير المعلوم الحجّية ، إذا تعارضت أو فقدت ، فقد يتوقّف أو يعمل على أصالة البراءة ، وعدم جواز العمل بأصل البراءة أوّلا ، لأنّ الثابت من الأدلّة أنّ جواز العمل عليه موقوف على اليأس من الأدلّة بعد الفحص ، فكما يعتبر العمل عليه بعد اليأس من الأدلّة في الأدلّة الاختيارية ، فكذا الحال في الأدلّة الاضطرارية.
فإن قلت : ما ذكرت من منع بقاء الحرمة عند انحصار العمل في مثل القياس مثلا أو غيره من الظّنون التي لم يثبت حرمتها بالخصوص أيضا ؛ يدفعه منع بقاء التكليف حينئذ أيضا.
قلت : ما دلّ على حرمة العمل بالقياس وغيره من الظّنون أيضا ، ليس بأقوى دلالة وأشمل أفرادا وأوقاتا ممّا دلّ على بقاء التكليف إلى آخر الأبد.
فغاية الأمر عدم الوجوب (١) فما الدّليل على الحرمة؟
ثمّ أجدّد المقال في هذا المجال ليظهر جليّة الحال ، وأقول غير آل جهدي في إقامة الدّليل على الظّنون وإثبات العلم في حجّية بعضها بالخصوص مميّزا إيّاها عن غيرها : إنّه لا ريب ولا شكّ أنّ الله بعث رسولا وأنزل كتابا وسنّن شرائع وأحكاما وأراد من عباده العمل عليها. وطريق إبلاغ الأحكام إلى العباد على ما
__________________
(١) أي عدم وجوب العمل بالقياس.