السّوانح التي لا مناص عنها إلّا بالعمل بالظنّ ، مع أنّه إن لم نقل بامتناع وجوده (١) في أخبارنا ، فهو في غاية الندرة ، ولا إجماع ولا دليل قطعي آخر يدلّ على حجّية الظّنون الحاصلة من جهة المعالجات (٢) كما لا يخفى ، سيّما مع ملاحظة الاختلاف في الأخبار التي وردت في علاج التعارض بينها (٣).
وكذلك الكلام في الكتاب والسنّة المتواترة باللفظ مع غاية ندرة علميّة مدلولهما. وكذلك أصل البراءة إن سلّمنا كونه ظنّا معلوم الحجّية ، إذ العلم (٤) بحجّيتها مع وجود خبر صحيح يفيد ظنّا أقوى منه أو ظنّ آخر ممنوع.
ودعوى الإجماع على حجّيتها حتّى فيما نحن فيه غير مسموعة.
ونقل الإجماع لا يفيد لنا إلّا الظنّ لو ثبت ، فيصير حال الظّنون المعلومة الحجّية عندنا مثل حال نفس الأحكام المعلومة إجمالا بالضّرورة من الدّين. فكما أنّ العلم الإجمالي بنفس الأحكام لا يفيد في التفصيلات ، فكذلك العلم بجواز العمل بالظنّ الإجمالي في استفادتها لا يفيد فيها ، إذ العلم بجواز العمل بظاهر الكتاب والسنّة المتواترة في الجملة (٥) أو مع خبر الواحد في الجملة أيضا ، مع عدم العلم بحجّية ما يستفاد منها مفصّلا ، بضميمة ما لا مناص لنا عنه في علاج الاختلالات الحاصلة من المعارضات اليقينية والمحتملة ، كيف يجدينا فيما نريده من العمل بأحكام الله تعالى مع الاجتناب عن العمل بظنّ لا نعلم حجّيته بالخصوص ، وليس
__________________
(١) أي مثل خبر العادل الموصوف بما ذكر.
(٢) بين الأخبار مثل حمل العام على الخاص.
(٣) بين الأخبار المطلقة.
(٤) علّة لقوله كذلك أو علّة لما يفهم من قول إن سلمنا من إمكان عدم التسليم.
(٥) أي في بعض الموارد أو الأفراد.