ودفع الثاني (١) : بأنّ اتفاقهم على إلزام الواحد لا يدلّ على اتّفاقهم على صحّة الاستثناء أو كونه حقيقة ، فإنّ فتوى الأكثرين لعلّه مبنيّ على تجويزهم ذلك (٢) ، وبناء الباقين (٣) على أنّ الإقرار عبارة عمّا يفهم منه اشتغال الذمّة بعنوان النصوصيّة ولو كان بلفظ غلط أو لفظ مجازي (٤) ، ولما كان الأصل براءة الذمّة حتى يحصل اليقين بالاشتغال ، فمع قابليّة اللفظ للدلالة على المراد وانفهام المعنى عنه بمعونة المقام ، أو بسبب التشبيه بالاستثناء مع قرينة واضحة ، لا يحكم باشتغال الذمّة بالعشرة لكون اللّفظ غلطا (٥). كما انّ في قولهم : له عليّ عشرة إلّا تسعة بالرّفع لا يحكم باشتغال الذمّة بالعشرة ، لكون الاستثناء غلطا ، بخلاف الاستثناء المستغرق ، فإنّه لغو بحث فيؤخذ بأوّل الكلام ويترك آخره.
ودفع الثالث (٦) : بأنّ المراد ـ والله يعلم ـ لعلّه أنّه : لا يقدر على الإطعام إلّا أنا ، فكلّكم يبقى على صفة الجوع لو أراد الإطعام من غيري. وهذا معنى واضح على من كان له ذوق سليم وسليقة مستقيمة ، فلا دلالة فيه على مطلبهم.
إذا تمهّد هذا ، فنقول : لمّا كان موضوع المسألة في الأقوال المذكورة في المسألة
__________________
(١) من أجابتهم بإجماع العلماء ... الخ.
(٢) أيّ استثناء الأكثر.
(٣) وهم الّذين يقولون بجواز استثناء الأقلّ دون غيره.
(٤) راجع «الفصول» : ص ١٩٤ الذي تعرّض لهذا القول.
(٥) قال في الحاشية : لعلّ عدم الحكم بذلك بالنسبة الى بناء الباقين لا بالنسبة الى فتوى الأكثرين أيضا ، وإلّا فالمحقّق القائل بكفاية صحة الاستثناء سواء كان الباقي أقلّ أو أكثر كما صرّح به في «الشرائع» في كتاب الإقرار قال فيه : إذا قال له عليّا عشرة إلّا درهم بالرفع كان إقرارا بالعشرة ولو قال إلا درهما بالنصب كان إقرارا بتسعة. راجع «شرائع الإسلام» : ٣ / ٦٩٢.
(٦) من اجابتهم في الحديث القدسي : كلكم جائع إلّا من أطعمته.