فإذا قيل : أعط كلّ بالغ رشيد من هذه الجماعة درهما ، يقتضي إرادة السّؤال عن من جمع الوصفين لا الاكتفاء بمن علم اجتماعهما فيه ، ويؤيّده التعليل المذكور في الآية (١) ، فإنّ الوقوع في النّدم يحصل بقبول خبر من كان فاسقا في نفس الأمر وإن لم يحصل العلم به فيه.
وأمّا خبر العدل ، وإن ظهر كذبه فيما بعد ، فلا ندم عليه (٢) ولا ذمّ فيه على عدم الفحص ، لأنّه عمل على مقتضى الدّليل ومقتضى طريقة العرف والعادة ، بخلاف مجهول الحال. ومن حكاية التعليل يظهر أنّ في صورة فرض ثبوت الواسطة أيضا ، لا يجوز العمل ، لعدم الاطمئنان بخبر مثله ، فهو قد يوجب النّدم أيضا ، مع أنّ العلم بتحقّقها متعذّر لعدم إمكان العلم بانتفاء المعاصي الباطنية عادة ، وقد تصدّى بعضهم (٣) لبيان أنّ المراد ، الفاسق النفس الأمري بما لا كرامة فيه ، فقال : إذا علّق أمر بشيء ، فالظاهر أنّ المراد ما هو مدلول ذلك الشيء بحسب الواقع.
فإذا قيل : زيد صالح ، أو فاسق ، أو شاعر ، أو كاتب ، فالمراد اتّصافه بالصّفة المذكورة بحسب نفس الأمر لا بحسب معتقد المخاطب ، وإلّا انتفى من الكلام الذي لا قرينة على إرادة إفادة معنى الخبر المتعارف إفادة معنى الخبر ، وانحصر الإفادة حينئذ في إفادة لازم معنى الخبر.
وأيضا لو كان المراد هو مدلول الكلام بحسب معتقد المخاطب ، لصحّ للمخاطب الجزم بكذب المتكلّم بمحض عدم اعتقاده بما أخبر به.
__________________
(١) قوله تعالى : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ).
(٢) في العرف.
(٣) وهذا المتصدي هو الفاضل التنكابني المشهور بالسّرابي على ما في الحاشية المنسوبة إليه.