وقد يقال (١) : إنّ إرادة الاستغراق باقية ، فلا يراد به الباقي حتى يلزم الاشتراك على تقدير كونه حقيقة. فإنّ المراد بقول القائل : أكرم بني تميم الطّوال ، عند الخصم : أكرم من بني تميم من قد علمت من صفتهم أنّهم الطّوال سواء عمّهم الطّول أو خصّ بعضهم ، ولذلك نقول : وأمّا القصار منهم فلا تكرمهم ، ويرجع الضمير الى بني تميم لا الى الطّوال منهم. وكذلك معنى : أكرم بني تميم الى اللّيل أو إن دخلوا الدّار ، الحكم على جميعهم ، غايته أنّه ليس في جميع الأزمنة في الأوّل ، وعلى جميع الأحوال في الثاني. وكذا : أكرم بني تميم إلّا الجهّال منهم ، الحكم على كلّ واحد بشرط اتّصافه بالعلم. وأنت خبير بأنّ ذلك كلّه تكلّفات باردة ، وتجشّم حمل الهيئة التركيبية على خلاف وضعه مع استلزامه التجوّز في بعض المفردات أيضا ، ليس بأولى من حمل العامّ فقط على المعنى المجازي. ولا ريب أنّ الهيئة المفسّرة مغايرة للهيئة المفسّرة وكلّ منهما موضوع لمعنى ، وأوّل (٢) معنى قولنا : رأيت أسدا يرمي ، مع قولنا : رأيت شجاعا مثلا ، الى أمر واحد لا يقتضي اتّحادهما ، وكذلك تأدية التراكيب الحقيقية لمعنى واحد لا يوجب اتّحادها في الدلالة.
وأمّا إرجاع الضمير الى بني تميم ، فجوابه يظهر ممّا مرّ (٣) في قولك : اشتريت الجارية إلّا نصفها.
وأمّا قوله : أكرم بني تميم الى اللّيل الى آخره ، فهو من غرائب الكلام ، إذ التخصيص هنا ليس متوجّها الى بني تميم ، بل الى زمان الإكرام المستفاد من
__________________
(١) في الجواب ، وهذا من العضدي.
(٢) وهو مصدر من آل يؤول بمعنى رجع.
(٣) بأن يراد من لفظ بني تميم معناه المجازي ، ومن الضمير الرّاجع إليه معناه الحقيقي كما هو طريق الاستخدام.