فإنّ الوثوق غالبا لا يحصل إلّا مع اعتبار الملكة.
ويؤيّده أنّ العلماء اكتفوا بمجرّد التعديل ولم يتأمّلوا من هذه الجهة ولم يحصل تشكيك لهم من هذه الجهة.
ويظهر ممّا مرّ حجّة القول الثاني ، فإنّ أسباب الجرح والتعديل كليهما مختلف فيها ، فلا بدّ من بيانها.
وفيه : أنّ ذلك حسن لو لم يعلم الموافقة وعدم المخالفة.
وحجّة القول الثالث وهو مذهب الشافعي وكثير من الأصحاب : اختلاف المذاهب في الأحكام الشرعية ، فربّما جرح بما ليس جرحا.
وفيه : أنّه لا فرق بين الجرح والتعديل ، بل العدالة تابع للجرح فإنّها ترك لما هو موجب للجرح.
وما يقال (١) : إنّ التعديل يصعب ذكر أسبابه لكثرة أسبابها ، بخلاف الجرح فإنّه يثبت بسبب واحد ، لا ينفع في دفع هذا البحث.
وحجّة القول الرابع : انّ مطلق الجرح كاف في إبطال الثقة برواية المجروح وشهادته ، وليس مطلق التعديل كذلك ، لتسارع الناس إلى البناء على الظاهر فيها ، فلا بدّ من ذكر السّبب.
وفيه ، أيضا ما مرّ من أنّ الجرح ممّا يختلف فيه ، فكيف يكتفى بمطلقه في إبطال الاعتماد ، مع أنّ التسارع إلى البناء على الجرح أغلب وأقرب إلى طباع الناس من العدالة لعدم اجتنابهم كثيرا من الظنّ (٢) ، مضافا إلى أنّ تسارع الناس إلى البناء
__________________
(١) في وجه الفرق بينهما.
(٢) فترى الأغلب يسرعون الى التفسيق وظنّ السّوء لعدم اجتنابهم للظن كثيرا.