فعمدة مقاصدهم في تأليف هذه الكتب بقاؤها أبد الدّهر وانتفاع من سيجيء بعدهم منهم ، فإذا لوحظ هذا المعنى منضمّا إلى عدالة المصنّفين وورعهم وتقواهم وفطانتهم وصداقتهم وحذاقتهم ، يظهر أنّهم أرادوا بما ذكروا من العدالة المعنى الذي هو مسلّم الكلّ حتّى ينتفع الكلّ.
واحتمال الغفلة للمؤلّف عن هذا المعنى حين التأليف سيّما مع تمادي زمان التأليف والانتفاع به في حياته ، في غاية البعد ، وخصوصا من مثل هؤلاء الفحول الصالحين.
فلو : إنّ ما ذكرت معارض بأنّ إرادة المعنى الأعلى وإن كان مستلزما لتعميم النفع ، ولكنّه مفوّت لفائدة أخرى ، وهي أنّه قد يكون مذهب المجتهدين اللّاحقين أنّ العدالة هو المعنى الأدنى ، فلا يعلم حينئذ هل كان الرّاوي متّصفا بهذا المعنى أم لا ، فلو لم يسقط المؤلّف اعتبار هذا المقدار ، لكان النفع أكثر.
قيل (١) : مع أنّ هذا النفع بالنسبة إلى الأوّل أقلّ ، لمهجوريّة القول بكون العدالة هو ظاهر الإسلام عند المتأخّرين.
فيه : أنّا نراهم كثيرا ما يمدحون الرجل بمدائح كثيرة توجب العدالة بمعنى حسن الظاهر ، بل وأكثر منه ، ومع ذلك لا يصرّحون بعدالتهم ، فمن لحق بهؤلاء وليس مذهبه في العدالة هو المعنى الأعلى ، فليأخذ بمقتضى هذا المدح ويجعله عدالة. هذا من أعظم الشواهد أنّهم أرادوا بالعدالة هو المعنى الأعلى ، فهم لاحظوا الأطراف وأخذوا بمجامع النفع ، سيّما وقولهم ثقة لا يحتمل مجرّد ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق كما هو واضح ، بل الظاهر أنّه ليس مجرّد حسن الظاهر أيضا ،
__________________
(١) قيل هنا جواب لقوله فلو قيل.