واشتبهت المتكرّرة فيها بغير المتكرّرة وخفي عليهم كثير من القرائن ، فاحتاجوا إلى قانون يتميّز به الأحاديث المعتبرة عن غيرها فقرّروا هذا الاصطلاح وقال :أوّل من سلك هذا الطريق العلّامة (١).
أقول : ولا يتمّ ذلك إلّا بعد ملاحظة أنّ التوثيق والتعديل أيضا كان أحد القرائن الموجبة للاعتماد عند القدماء أيضا. والظّاهر أنّه كان كذلك ، كما يستفاد من طريقتهم في تعديل الرجال وتوثيقهم وأخبارهم المنقولة في الرجوع إلى الأعدل
__________________
(١) جمال الحق والدين الحسن بن المطهّر الحلي قدس الله روحه. ثم نلاحظ من خلال كتب الحديث كالتي هي للشيخ نجد أن تنويع الحديث الى الصحيح والحسن والموثّق كان شائعا في زمن الشيخ فكيف يكون العلّامة أوّل من سلك هذا الطريق.
فإنّ الشيخ في «الاستبصار» صرّح بأن عمّار الساباطي ضعيف لا يعمل بروايته وكذا صرّح فيه بضعف عبد الله بن بكير ، وقال في «التهذيب» بعد نقل خبري ابن بزيع حيث اشتمل أحدهما على زيادة دون الآخر : هذا الخبر ـ يعني الخالي عن تلك الزيادة ـ ضعيف. وأمثال ذلك في كتبه الاصولية والفروعية كثير. والذي يساعد على القول بأنّ هذا الاصطلاح كان معروفا شائعا بين قدمائنا ما يدلّ عليه ما في «الكافي» أيضا مثلا في باب النص على الأئمة الاثني عشر عليهم الصلاة والسلام في آخر حديث طويل ج ١ ص ٥٢٦. وحدثني محمد بن يحيى عن محمد بن الحسن الصفّار عن احمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبي هاشم مثله. قال محمّد بن يحيى : فقلت لمحمّد بن الحسن : يا أبا جعفر وددت أنّ هذا الخبر جاء من غير جهة أحمد بن أبي عبد الله قال : فقال لقد حدّثني قبل الحيرة بعشر سنين فإنّ عدم قبول محمّد بن يحيى لهذا الخبر لأنّه جاء من جهة أحمد بن أبي عبد الله فهو ضعيف السند لتحيّره في المذهب. وإنّ قول محمد بن الحسن لقد حدثني قبل الحيرة ، كأنّه يريد أنّه صحيح السند لأني أخذته منه قبل تحيّره في المذهب ووقتئذ كان ثقة ، فالخبر صحيح السند.
وحاصل القول ان هذا الخبر ضعيف لضعف راويه وجوابه انّه صحيح لأنّه أخذه عنه حين كونه ثقة. وهذا ما لا ينطبق إلّا على ما عليه المتأخرون رحمهمالله.