وأمّا بطلان القول بعدم تعبّده بشيء فأوضح ، لاستلزامه كمال النقص وكونه أسوأ حالا من آحاد الناس ، مع ما ورد ممّا كان يفعله من الأعمال والحجّ في الأخبار.
وأمّا بعد البعثة ، فالحقّ أيضا أنّه لم يكن متعبّدا بشريعة من قبله ، وتوافقه مع غيره في كثير منها ليس نفس المتابعة.
واختلف الناس فيه أيضا.
فقال بعضهم بمتابعة شرع من قبله في الجملة ، مستدلّا بظواهر بعض الآيات.
لنا : ما تقدّم من الأدلّة : (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى)، (١) وأنّ شرعه كان ناسخا وكان ينتظر الوحي في كلّ مسألة ولا يتمسّك بالأديان السّابقة ، وإخباره عن التوراة برجم الزّانية لإتمام الحجّة على اليهود وإظهار علمه.
وأمّا الآيات مثل قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ)(٢) و :(فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ)(٣) و : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً ،)(٤) فهي محمولة على أصول العقائد ، وإلّا فلم يجز النّسخ ، سيّما مع ملاحظة قوله تعالى : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ). (٥)
وكذلك المراد بهدى الجميع ما اتّفق الجميع فيه وهو أصول العقائد ، وإلّا
__________________
(١) النجم : ٤.
(٢) النحل : ١٢٣.
(٣) الانعام : ٩٠.
(٤) الشورى : ١٣.
(٥) البقرة : ١٣٠.