أقول : ويظهر ما فيه بالتأمّل فيما قدّمناه ، إذ لو بنينا على التحقيق واقتفاء الدّليل ، فالحقّ أنّ الحقيقة والمجاز كليهما ظاهران في معناهما إذا اتّحدا ، وتعيّن القرينة على كلّ منهما فيما احتاج إليه على فرض الاشتراك أو تعدّد المجاز ، وقد بيّنا لك سابقا بطلان الحقيقة ، وتعيّن المجاز في تمام الباقي ، واحتمال إرادة ما دون تمام الباقي ، خلاف الظّاهر ولا يصار إليه ، فلو أعرضنا عن التحقيق ، وتماشينا مع الخصم في تصحيح الحمل على الحقيقة ، فلا يتفاوت الكلام في هذا القانون على القولين (١) ، فتأمّل.
ويؤيّد ما ذكرنا ، استدلالهم الثاني ، فإنّه لو لم يكن ناظرا الى احتمال الحقيقة ، لرجع الى الدّليل الأوّل ولكان تكراره لغوا ، إذ الإجمال من جهة تعدّد المجاز أخصّ من عدم الظّهور ، فإنّه أعمّ من أن يكون من تلك الجهة ، أو من جهة احتمال الحقائق ، فحينئذ يصير العامّ في محتملات الباقي على القول بالحقيقة ، مثل النّكرة التي أريد بها فرد معيّن عند المتكلّم غير معيّن عند المخاطب ، مثل قوله تعالى : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ.)(٢) وكذلك كلّ أدلّة القائلين بالحجيّة قابلة للقولين (٣) ، من دعوى الظهور (٤) ولزوم الذّمّ واستصحاب التناول ، وغيرها كما بيّناها ، بل بعضها (٥) في الدلالة على القول بالحقيقة أظهر.
__________________
(١) أي الحقيقة والمجاز.
(٢) القصص : ٢٠.
(٣) أي القول بكون العام حقيقة في الباقي أو مجازا.
(٤) قال في الحاشية : هذا بيان لأدلّة القائلين بالحجّية وقد تقدم بيان تلك الأدلّة في أوائل ذلك الأصل.
(٥) قال في الحاشية : لعلّ المراد بذلك البعض هو لزوم الذّم.