ثمّ إنّ هاهنا أمرا لا بدّ أن ينبّه عليه ، وهو أنّ ظاهر كلام المستدلّ في أقلّ الجمع ، أنّ محلّ النزاع فيما وكل المتكلّم تعيين أفراد المخرج والباقي الى المخاطب ، كما لو قال : كل البيضات إلّا ثلاثة منها ، ونحو ذلك.
وعلى هذا يلزم على القول بجواز التخصيص الى الواحد أن يكون العامّ حجّة في الواحد ، لأنّه المتيقّن أيضا ، ولم يستثنه المستدلّ وعمّم في الإجمال.
ولعلّ نظر المستدلّ (١) في ذلك إنّما هو الصحيح ، لا نظر القائل بالحجّيّة في أقلّ الجمع ، فإنّ الغالب الوقوع في كلام الحكيم في التخصيصات ملاحظة التعيّنات في الأحكام ، ولا بدّ أن يكون مراد من يجوّز التخصيص الى الواحد في القانون المتقدّم أيضا التخصيص الى واحد معيّن عند المتكلّم ، لا أيّ واحد يكون. وكذلك أقلّ الجمع عند القائل به ثمّة ، مثلا قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ.)(٢) قد تعلّق الإخراج عن نفي التحريم بهذه الثلاثة بخصوصها ، وكذلك : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ،)(٣) فإذا ورد النصّ بحرمة لحم الأسد ولحم الكلب ، فيجب الإخراج أيضا وهكذا.
وكما أنّ الحرمة تتعلّق بالمخرج بخصوصه ، فكذلك نفي الحرمة لا بدّ أن يتعلّق بالباقي بتعيّنه ، فلا بدّ أن يكون الباقي متعيّنا سواء كان واحدا خاصّا أو أقلّ جمع خاصّ.
__________________
(١) أي التعميم.
(٢) الانعام : ١٤٥.
(٣) البقرة : ١٧٣.