العمل بالحرام ، لا يتمّ الكلام هنا ، لأنّ فتح باب الرخصة في ذلك لآحاد المكلّفين يقتضي تجويز الارتكاب في الجميع (١) ، فأين اعتبار ملاحظة المعارض مع أنّ الغالب في ذلك هو التعارض ، وخبر لم يوجد له معارض لمن أنس بطريقة الاستنباط في غاية النّدرة ، وإن كان في أوّل أمره.
والحاصل ، أنّ المجتهد إذا علم أنّ دليل الحكم إنّما هو في جملة هذه الأدلّة المتعارضة [المتخالفة] المختلفة ، لا نفس كلّ واحد منها ، فلا بدّ من البحث عن المعارض حتّى يعرف أنّ العمل بأيّها هو الرّاجح في ظنّه ، لئلّا يكون مؤثرا للمرجوح ، ولئلّا يكون تاركا للأخبار المستفيضة الواردة بالعلاج والترجيح فيما لو كان الخبران متخالفين ، إذ العلم بوجود الخبرين المتعارضين في جملة تلك الأخبار حاصل لنا ويجب علينا علاجه ، وعدم العلم بالفعل بأنّ هذا الخبر الذي رآه أوّلا هل هو من هذا الباب أم لا ، لا يوجب العلم بعدم ذلك ، لأنّ ورود الخبرين المتعارضين صادق على ما ورد علينا في جملة الأدلّة مع إمكان معرفتهما بعينهما.
وممّا ذكرنا ، يظهر (٢) أنّه لا يمكن التمسّك بأصالة عدم المعارض في كلّ رواية ، إذ المفروض أنّ أحاديثنا مشتملة على الحديث الذي له معارض والحديث الذي لا معارض له ، وكون الأصل عدم كون الحديث الذي نراه أوّلا هو ما لا معارض له ، ليس بأولى من كونه هو الذي له معارض (٣) ، فيجب إجراء حكم كلّ من الصّنفين
__________________
(١) أي في جميع أطراف الشبهة وذلك لحصول الارتكاب في البعض قطعا في المجموع.
(٢) وهذا ناظر الى ما مرّ من قوله : فإن قلت انّك قائل ... الى قوله : لأنّ الأصل عدم المعارض ، ولا علم لنا بوجوده فيه بخصوصه.
(٣) قال في الحاشية : بعد ما عرفت من كون بعض الأحاديث ممّا له معارض وبعضها ممّا ليس له معارض لا يمكن إجراء أصل العدم بالنسبة الى أحدهما دون الآخر ، إذ الأصل ـ