الفارق موجود بوجه آخر ، وهو تفاوت الحقائق في الظهور ، ألا ترى إنّهم اختلفوا في ترجيح المجاز المشهور على الحقيقة.
فنقول هنا : إنّ استعمال العامّ في معناه المجازي بلغ حدّ الاشتهار الى أن قيل : ما من عامّ ... الخ (١) ، بخلاف سائر الحقائق ، فإن لم نقل بترجيح المجاز المشهور ، فلا أقلّ من التوقّف ، فالغلبة مرجّحة للتجوّز وأصالة الحقيقة وعدم التّخصيص للحقيقة ، فيصير مجملا فيحتاج الى الفحص ، بخلاف سائر الحقائق ، فإنّ الغلبة ليس فيها الى هذا الحدّ ، بل أكثر الألفاظ محمول على الحقائق.
وما يقال (٢) : إنّ أكثر كلام العرب مجازات فهو إغراق (٣) ليس على حقيقته.
وممّا يوضّح ما ذكرنا أنّه لا يجب الفحص عن احتمال سائر المجازات في العامّ أيضا كما إذا احتمل إطلاق العامّ على شخص باعتبار جامعيّته ، جميع أوصاف أفراد العامّ ، فإذا قيل : جاء العلماء ، فيحتمل أن يراد منه زيد باعتبار أنّ علمه مساو لعلم كلّهم بعلاقة المشابهة ، ويحتمل أن يراد منه أمرهم أو حكمهم أو نوّابهم بعلاقة المجاورة أو التعلّق ونحو ذلك ، بل نحمله على حقيقته من هذه الجهة ، بخلاف احتمال جهة التخصيص بإرادة بعضهم دون البعض ، وكأنّه غفل من غفل في هذا الأصل من جهة الغفلة عن تفاوت المجازات أو عن أنّ الكلام في الفحص عن المعارض من حيث إنّه معارض (٤) لا في طلب المجاز من حيث إنّه طلب المجاز ،
__________________
(١) إلّا وقد خصّ.
(٢) وهو لابن جنّي وابن مستويه.
(٣) بمعنى بالغ في الأمر وانتهى فيه ، والإغراق يضرب مثلا للغلوّ والإفراط. راجع «لسان العرب».
(٤) او من حيث إنّه مظنون.