وفيه أوّلا : أنّه إن أراد أنّه لا يجب التفحّص عن الحقيقة أصلا ، بمعنى أنّه إذا ورد حديث يدلّ على فعل شيء بعنوان الوجوب ولكن احتمل احتمالا راجحا وجود حديث آخر يدلّ على أنّ المراد بالأمر في الحديث الأوّل الاستحباب ، فهو في الحقيقة احتمال المعارض ، فلا معنى لعدم وجوب البحث عنه ، فكيف يدّعي عليه الاتّفاق.
وإن أراد أنّه لا يجب في الحقيقة طلب المجاز إذا لم يكن هنا ظنّ بوجود المعارض من الأدلّة ، بل ولا احتمال له ، بمعنى أن يتفحّص لاحتمال قيام قرينة حاليّة أو مقاليّة دلّت على إرادة المعنى المجازي من الكلمة ، فهو صحيح ومسلّم في العامّ أيضا من هذه الجهة. فإنّا لا نتفحّص في العامّ عن المخصّص ، لاحتمال أن يكون المراد معناه المجازي ، بل لأنّ وجود دليل خاصّ يرفع أحكام بعض أفراد العامّ ؛ محتمل (١) أو مظنون ، وإن آل ذلك الى حصول التجوّز في العامّ بعد ظهوره ، فتداخل البحثين (٢) لا يوجب كون كلّ منهما مقصودا بالذّات ، ولمّا كان العامّ من جملة الأدلّة أكثر احتمالا لوجود المعارض ، خصّوه بالبحث دون سائر الأدلّة.
وثانيا : على فرض تسليم كون البحث عن العامّ من جهة دلالة اللّفظ وحقيقته والاحتراز عن التجوّز ، ولكن نقول : إنّ الاتّفاق الذي ذكره المستدلّ هو الفارق بين أنواع الحقائق لعدم تحقّقه فيما نحن فيه ، بل تحقّق خلافه ، فقد ادّعى جمع من المحقّقين الإجماع على وجوب الفحص (٣) ، فحصل الفارق وبطل القياس ، مع أنّ
__________________
(١) بمعنى مشكوك.
(٢) البحث عن المجاز في الحقيقة ، والبحث عن المعارض في العام.
(٣) على ما عرفت في مقدّمته هذا القانون.