العدلين المتعارضين ، ولا ريب أنّه لا يمكن العمل حينئذ مطلقا.
فظاهر ، أنّ المراد من الآية ، أنّ خبر العدل من حيث إنّه خبر العدل لا يجب فيه التّفحّص عن الصدق والكذب ، وإن وجب فيه من حيث إنّه يعارضه خبر عدل آخر فضلا عمّا كان التثبّت من جهة فهم المراد.
الثالث :
آية النّفر (١). وجه الاستدلال ، أنّه تعالى أوجب الحذر عند إنذار الواحد ولم يقيّده بالبحث عن المخصّص.
ويظهر الجواب عنه أيضا ممّا مرّ.
ثمّ إنّ مناط القول المختار ، أنّه لا يحصل الظنّ بإرادة المعنى الحقيقي للعامّ إلّا بعد الفحص ، لا إنّه يحصل الظنّ بسبب أصالة الحقيقة ، ولكن لا يكتفى بهذا الظنّ ، بل يوجب الظنّ الزّائد ، بل نقول : إنّ أصالة الحقيقة إن أفاد الظنّ فإنّما يفيد بعد قطع النظر عن شيوع التّخصيص ، والمفروض انّه غير منفكّ ، فلا معنى لمقابلة مختارنا بأنّا نكتفي بالظنّ الحاصل من أصالة الحقيقة ، بل لا بدّ أن يقال : إنّ الظنّ حاصل مع شيوع التخصيص أيضا.
وجوابه : المنع.
ثمّ إنّ مطلق الظنّ كاف (٢) ، وإلّا فيشكل الأمر لتفاوت مراتب الظنون ، بل تفاوت مراتب الظنّ المتاخم للعلم أيضا.
__________________
(١) (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة : ١٢٢.
(٢) فلا يلزم الظنّ المتاخم للعلم.