قال العلاّمة الطباطبائي : إنّ نفوس المتوغلين في عالم المادة لا تطيق مشاهدة الملائكة لو نزلوا عليهم واختلطوا بهم لكون ظرفهم غير ظرف الملائكة ، فلو وقع الناس في ظرفهم لم يكن ذلك إلاّ انتقالاً منهم من حضيض المادة إلى ذروة ما وراءها وهو الموت كما قال تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا المَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً * يَوْمَ يَرَوْنَ المَلَائِكَةَ لا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً ) (١). (٢)
ولأجل ذلك قال في مورد الآية : ( وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الأَمْرُ ).
٢. نزول الملك بصورة الإنسان ، وحينئذ لا يفيد ذلك إذعاناً بأنّ هذا ملك مجسد في صورة إنسان ، بل زعموا أنّه إنسان داع إلى الله أو مصدق لنبيّه ، شاهد على نبوته ، وإلى ذلك يشير سبحانه : ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَا يَلْبِسُونَ ).
الثاني : يحتمل أن يكون مقترحهم هو الذي حكى الله عنه في سورة الفرقان بقوله : ( لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلاً مَسْحُوراً ) (٣) وحكاه عنهم أيضاً في سورة الزخرف حيث قال : ( وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَٰذَا القُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) (٤).
ومن المعلوم أنّ كون الرجل ذا ثروة طائلة لا يكون آية لصحة دعوته ، وإلاّ لكان كل ثري نبياً.
__________________
(١) الفرقان : ٢٢.
(٢) الميزان : ٧ / ١٦.
(٣) الفرقان : ٨.
(٤) الزخرف : ٣١.