وبهذه الملاحظات يذعن القارئ بأنّه لم يكن المقام مظنة القيام بطلب المدعو لما عرفت من الشرائط المصحّحة لإجابة النبي.
إلى هنا تبيّن أنّ عدم قيام النبي بالإجابة لمقترحهم لأجل ما عرفت في بعض المقدمات من أنّ شرط القيام بالطلب هو كون الطالب بصدد تحصيل الإيمان وكشف الحقيقة لا التعنت والعناد ، وهؤلاء بحكم هاتين الآيتين لم يتخذوا موقفاً سوى العناد واللجاج.
وأمّا الجواب عن السؤال الثاني : الذي ركن إليه المستشرقون وقالوا : بأنّ الجواب الوارد في الآية لا يرتبط بالسؤال ، لأنّ السؤال عن الوقوع ، والجواب بالإمكان.
فنقول : إنّ هذا الاعتراض ينشأ من عدم الاطلاع على عقائد العرب الجاهليين في باب التوحيد ، فإنّ طائفة من المشركين وإن كانوا يوحّدون الله تعالى في ذاته ويقولون : إنّه واحد ، كما يوحّدونه في الخالقية ويعتقدون بأنّه لا خالق سواه ، ولكن كانوا مشركين في مسألة التدبير والربوبية التي هي إحدى شعب التوحيد.
وحاصل عقيدتهم أنّ الله سبحانه ترك أمر التدبير إلى آلهة صغيرة فهم الذين يقومون بتدبير الكون وتصريف الأمور ، وانّه سبحانه تخلّى عن مسند القدرة وتدبير العالم بكافة شؤونه وفوّض الأمر إليهم ، ولأجل ذلك كانوا يعبدونها زاعمين بأنّهم يدبرون العالم وينزلون المطر ، إلى غير ذلك من مظاهر التدبير.
هذا من جانب ، ومن جانب آخر اعتقدوا بأنّ النبي إذا رفض عبودية هؤلاء الآلهة ورفض عبادتها ، فحينئذ لا يوجد ـ حسب اعتقادهم ـ من يجري الإعجاز على يده ، فإنّ الله سبحانه منعزل عن تدبير الكون ، وأمّا هولاء الآلهة فقد نفاهم محمد وصار مغضوباً عندهم ، فصارت نتيجة ذلك أنّ الله تعالى حسب انعزاله عن