المسلك من بين المعجزات وجعلوا نزولها كلا نزول ، وكأنّه لم ينزل عليه آية قط ، حتى قالوا : ( لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِن رَبِّهِ ) وذلك لفرط عنادهم وتماديهم في التمرد وانهماكهم في الغي (١).
فإذا كان الطلب سبباً لتحقير أكبر معجزة من معاجز النبي وازدراءً له لم يصح للنبي أن يقوم بطلبهم بالإعجاز ، لأنّ في تلك الإجابة في ظرف الطلب ضرباً من الموافقة على تحقيرهم للقرآن ، وقرينة المقال تدل على أنّ النبي كان آيساً من هدايتهم ، فلم يكن هناك أيُّ موجب في منطق العقل أن يقوم النبي بالإعجاز أو يمكّنه الله من القيام بمطلوبهم.
وقد جاء في القرآن تصريحات عن القوم بأنّهم كانوا يحقرون أمر القرآن قال سبحانه : ( وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) (٢) وقال أيضاً : ( وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِن رَبِّ العَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (٣).
ومثل هذه العصابة التي تقابل القرآن الكريم بمثل هذا الموقف المتعنت الجاهل ، وتواجه تلك المعجزة الكبرى والآية الباهرة بمثل هذا التحقير والازدراء. لا تستحق جواباً أحسن من قوله سبحانه : ( فَقُلْ إِنَّمَا الغَيْبُ للهِ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِنَ المُنتَظِرِينَ ).
__________________
(١) الكشاف : ١ / ٧٠.
(٢) يونس : ١٥.
(٣) يونس : ٣٧ ـ ٣٨.