ربّما ينقدح في ذهن القارئ الكريم سؤالان حول الآية الأولى من هذه الآيات :
الأوّل : لماذا تنسب الآية إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم احتمال ترك بعض ما يوحى إليه ، أو ليس هذا مخالفاً لعصمته صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟
الثاني : لماذا لم يجب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سؤال قومه من إنزال الكنز ، والمجيئ بالملك ، بل أجابهم بأنّه ليس إلاّ نذير ، والله على كل شيء وكيل ؟
أمّا الجواب عن السؤال الأوّل ـ وإن كان خارجاً عن موضوع البحث ـ فحاصله : إنّ الله تعالى يخاطب في قرآنه نبيه بكلام يناسب مقتضى الطبيعة البشرية ويلقي إليه خطابه مع قطع النظر عن الخصوصيات الموجودة في المخاطب والمخاطب ( بالفتح ).
ويدل على ذلك أنّ الله سبحانه مع أنّه عالم بكل شيء ( لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ ) (١) يستعمل لفظة « لعلَّ » الموضوعة للترجي الذي لا ينفك عن وجود الشك والترديد في المتكلم وليس ذلك إلاّ لأنّ الخصوصيات الموجودة في المتكلم ، أعني : علمه الواسع المحيط بكل شيء ، غير ملحوظة في المقام.
ومثله مخاطبة النبي ، فالنبي بما أنّه رسول معصوم لا يترك شيئاً من رسالته لا يخاطبه سبحانه في هذه الآية بل يخاطبه بما أنّه بشر ألقي إليه كلام ثقيل ورسالة شاقة ، وحيث إنّ طبيعة مثل هذه الرسالة الثقيلة تلازم احتمال أن يترك حاملها بعض ما وضع على عاتقه ، يعود المتكلم لأجل تقوية عزمه يخاطبه بقوله : ( ولعلك تارك بعض ما يوحى إليك ) وليس الهدف الاخبار عن وقوع مثل هذا الخلل أو ذم مخاطبه وتوبيخه وإنّما يريد تقوية عزمه ، وشدَّ أزره.
__________________
(١) سبأ : ٣.