ومال وجاه وعناوين زائلة ، ركعت له الدنيا وكذا الدار الآخرة .. لم يساوم فجاءه الخلود بين يديه يسعى .. لم يتخاذل فألانَ بالدم صلب الحديد وهزم الحسام والقنا ، لم ينثن فاستقامت له القلوب حبّاً والعقول تدبّرا ..
فكيف هو الجمال يا تُرى؟! وللجمال صورٌ وآفاقٌ وأعماقٌ عمقى ; حيث الفكر والأدب والفنّ والحياة والعشق والهوى ... كلٌّ منها ينهل من الجمال ويتزوّد حيث رام ورمى.
والذاكرة الجادّة الملتزمة هي التي تستقي وتنال ما تروم بأمانة ودقّة واحتياط من جمال الحسين ، فلا الاستحسان الباطل ولا الاستنباط البراغماتي ولا التسييس الجهوي ولا التجيير الفئوي ولا الطموح الرغبوي بإمكانه التحليق في فضاءات الحسين ; إذ سرعان ما يلفظه الباطن الحقيقي ويرفضه النور القدسي فيطفو على السطح قشراً بالياً ويتراءى في الأبصار ظلاماً ماضيا.
إنّ الحسين (عليه السلام) وأربعينه جمالٌ إلهي ، عطاءٌ سماوي ، منحةٌ ربّانيّة قدّر لها الله تبارك وتعالى أن تكون حركةً نابضةً لا تعرف السكون مطلقا ، وقبساً مباركاً لا تنطفئ أنواره قطعا ، ونميراً عذباً يستدعي الألباب كي تغور فيه وتنهل منه غرفا ، وزحفاً ميليونيّاً يهتف : لبّيك يا حسين إماماً ومولى ، وحضوراً منطلقاً من بحبوحة الفطرة الإنسانيّة يعلن : ها أنا ذا ... بلا افتقار للترويج والإعلام والتطميع وإغراءات الدنيا.
إنّ الحسين (عليه السلام) وأربعينه قد خرق اللاشعور وتجاوز مباحث الوعي