متصوّر في غير الحسّيّات وبين من يراه متصوّراً في الحسّيّات والعينيّات ، فأحسّ الإلحاديّون بالخطر الداهم الذي ما برح يقضّ مضاجعهم ويؤرّق أجفانهم منبعثاً هذه المرّة من رحم ذات الاختراعات والاكتشافات التي راموا بها مصادرة اللاهوتيّات وإغلاق ملفّها نهائيّاً ; فاكتشفوا أنّ «الميكانيكا» خاسرة و «الاحتمال» رابحة ، اكتشافاً أحجم الكثيرون منهم عن إذاعته والإذعان به فتجرّأ آخرون بعرضه والاعتراف به حقيقة لا تقبل اللبس والتردّد.
شيءٌ ما ، قوّةٌ ما ... تصنع وتخلق وتدير وتدبّر على نسق دقيق ونهج مثير ... شيءٌ ما ، قوّةٌ ما ... لا نراها ، لا نسمعها ، لا نشمّها ، لا نلمسها ، لا نتذوّقها ... لكنّها تفعل كلّ شيء بحكمة ونظم ... لابدّ إذن من وجود شيء ما ، قوّة ما ، بهذه الصفات ، لابدّيّة عقليّة مسلّمة ، تسلّلت من الآثار لتبلغ المؤثِّر ، بلغت المؤثِّر فعلمت به دون أن تراه أو تسمعه ... فحقّ للإنسان أن يعلم بما فوق الحسّ ، أن يتيقّن بلا نهج تجريبي طبيعي أنّ ما وراء الطبيعة عالمٌ ، ما وراءها قدرة هائلة هي التي تديرها بأنظمة وقوانين لا يتمكّن من صياغتها وبلورتها أحدٌ غيرها ، فهذا ما ترشّح من «نظريّة الاحتمال» المهيمنة بلا منازع حالياً على الفرضيّات والاختراعات العلميّة ..
على أنّنا لا نستطيع افتراض هيمنة وحاكميّة هذه القدرة الهائلة ودقّة إدارتها للكون بالقوانين والأنظمة المثيرة دون افتراض الصانعيّة في ذات القدرة المشار إليها وتصوّرها وتصديقها على أنّها من صفاتها الذاتيّة ،