افتراضٌ لابدّ أن ينقلب علماً ويقيناً بمجرّد التصديق بالمقدّمات الآنفة الذكر.
هكذا عاد أو بات عالَم الغيب حقيقةً لا يمكن تجاوزها مطلقاً ، الأمر الذي تترتّب عليه آثار واسعة ، فليس العلم ـ على سبيل المثال ـ متعلّقاً فقط بالحسّيّات والتجريبيّات والطبيعيّات كما ذكرنا ، بل يتعلّق بغيرها أيضاً بلا أدنى تفاوت ، وانكشاف الحقائق الغيبيّة لذوي المراتب النورانيّة لا شكّ أنّه علمٌ أرقى ومعرفةٌ أقدس وكشفٌ أشرف من العلم بالحسّيّات والتجريبيّات والطبيعيّات ، فالذين تمكّنوا من بلوغ مراحل العلم واليقين العالية وانفتحت لهم آفاق المعارف القدسيّة إنّما حصلوا على ذلك بفعل تجاوز الاختبارات الصعبة والبلاءات المرّة ، حينما انتخبوا سبيلاً رضوا به عن طيب عقل وإحساس ، فكلّ خطوة معرفيّة نحو المقصود تعني الاقتراب أكثر من العلم واليقين بالقدرة التي تصنع وتدير وتدبّر ، وباقتطاف ذلك العلم واليقين فالجوارح تعمل بنور الله والعقل يعمل بنور الله ، وهذا العمل يعني اختراق الحواجز الحسّيّة والحدسيّة.
من هنا قد يأتي التعجّب ليكون موضوعاً لنا هنا .. إذ كيف لمثل زينب (عليها السلام) وهي العالمة غير المعلّمة أن تسأل مثل الإمام الحسين (عليه السلام) ـ وهو المعصوم ـ سؤالاً يعدّ في ظلّ الحسابات والمعادلات المعرفيّة غير وارد في قاموس أيّ منهما .. ألا تعلم زينب (عليها السلام) نيّات الأصحاب؟! ألاّ تعلم (عليها السلام) أنّه ـ أيّ الحسين (عليه السلام) ـ يعلم نيّاتهم؟! ورغم كلّ ذلك فقد أجابها (عليه السلام)