إنّ العقل يقرأ النصّ ، يراجعه ، يقارن الأفهام ، يستقرئ النتاجات استقراءً معمّقاً ويبحث فيها على مستوى الحفر والمسح ، مع لحاظ العوامل الزمكانيّة والاجتماعيّة ونظائرها ، ولا شكّ أنّها عمليّة اختبار تتدخّل فيها «قابليّة التكذيب والتصديق» كلاعب أساسي في حسم النتائج ، فلعلّ «الفهم» يبقى ليكون مدار العمل والتطبيق ، ولعلّه بحاجة إلى تعديل من حذف وإضافة وغيرهما ، ولعلّه يفشل في الاختبار ليحلّ محلّه فهم آخر أكثر منه استيعاباً وعمقاً في درك النصّ ... وهكذا تظلّ «الأفهام» في تنافس دائم ، كما تبقى هي نسبيّة لا تبلغ الكمال أبداً ، لكنّها في حركة ونموّ وازدهار ، الأمر الذي يمنح الفضاء العلمي والمعرفي والديني والاجتماعي والاقتصادي ... حيويّة لا نظير لها ، فلا صنميّة للأفهام ولا تعبّد ولا سرمديّة ، إنّما الخلود للحركة العلميّة المعرفيّة فقط ، وهي بحدّ ذاتها تبقى غير مكتملة وناقصة ، وهذا النقص هو الذي يفتح الآفاق نحو البحث الصحيح عن الحقيقة ، حقيقة المطلق الكامل ; إذ ما من نقص إلاّ وبإزائه كمال ، وما من نسبي إلاّ وبإزائه مطلق.
أمّا إذا تجمّدت حركة العلم والمعرفة عند أفهام محدّدة أو أنّها صودرت وسُرِقت واتّخذتها المناهج القشريّة والاستعراضيّة عباءة الوصول إلى المرامي الرخيصة ، فلن نفلح في بلوغ المراتب الحقيقيّة للمعرفة والكمال الإنساني.
لا يمكن أن تحصرنا «مشكلة التخلّف في بعض أبواب العلوم» بين جدرانها ، أو يكون السعي للتقدّم والتطوّر فيها على حساب غيرها من