وأحياء الثقافة ومعاقل المعرفة ، إذن هنا سلطة العقل ، هيمنة الفكر ، ولا سطوة للغرباء هنا ، هكذا المفروض وهكذا ينبغي أن يكون.
حقيقة الألم تكمن في اضطراب الموازين واختفاء الملاكات وتغيّر الضوابط ، ففي عقر دار العلم والثقافة والمعرفة ـ المؤمنة ـ تألق الرغبة وتشمخ الشهوة ، فتعتلي «الحرباء» منصّة الإمارة ، ويزدهر سوق الأصنام والتماثيل ، فلا يُسمَع إلاّ صوت التزلّف والملق ولا يُقرأ إلاّ كلام التقرّب والوصل .. وعلى نَخْب الحضور وصحّة المولى يسقي الندماءُ الحفلَ شرابَ النصر ، أيّ نصر باهت هذا الذي يؤخَّر به العلم وهو مقدَّم ويتقدّم به الجهل وهو مؤخّر ، أي حفل بائس هذا الذي تُستذلُّ به المعرفة وتُهان فيه الثقافة ويُرفَعُ في باحاته البراجماتية شأنُ الببغائيّة والاستبعادية والاستبدادية والأهواء الذاتية؟!
وا أسفاه على اُمّة ومعاقل وفضاءات يسلَّط فيها جهلتها على علمائها وسوقيّيها على نُخَبها ، وحفاتها على طاقاتها ، بل الويل لها والثبور أن شقّت في الصميم جرحاً لا يندمل أبد الأزمان والدهور.
حقيقة الشموخ تكمن في أن تتواضع الأعلام والرموز وهي في ذروة الرفعة وقمّة العطاء ، ولا تقول ولا تدّعي ولا تتمنّى سوى أن تكون خادمة الدين والعباد ، بكلّ صدق وصفاء وخلوص ، فلا عجب أن تؤتى هذه الثلّة المباركة الحكمة (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (١) ..
__________________
١. سورة البقرة : ٢٦٩.