طبقات الحبّ والعشق ، نعم لقد عنى (صلى الله عليه وآله) بالدين والرسالة والقرآن : الحبّ ، فهو غاية هدفه ومنتهى طموحه وذروة مبغاه.
لم يكترث كثيراً بتأسيس الدولة وبناء الحكومة وفتح البلدان مثلما اكترث بمفهوم الحبّ ، ولو خُيّر (صلى الله عليه وآله) لاختار السلم والحوار الهادئ لكنّهم حمّلوه ما اضطُرّ إليه من وقائع وأحداث ومواقف.
ولم يكترث بقشور الرسالة أبدا ; إذ كان همّه بلوغ الحقيقة لا جَرَما.
لقد عانى وتأ لّم وتجرّع الغصص والصدمات كي تخصب مرابع الحبّ وتخضّر رياض العشق فتثمر وفاقاً وأماناً وإيمانا. والقلب إذا أحبّ بعقله فقد أغلق كلّ الملفّات العالقة وأذاب الحواجز الشاهقة والموانع الصعبة. والحبّ يعني حبّ جوهر القيم والمفاهيم والمعاني الإنسانيّة الخالدة ، وهو بوّابة المعرفة ومفتاح الكمال الإنساني ، ولا وجود للمعرفة والكمال الإنساني ولا مفهوم ولا معنى لهما بدون قصد ومعرفة منبع الفيض والجمال والحبّ والنور والكرامة ، القوّة المسيطرة العليا ، ذات الباري تبارك وتعالى.
فماذا كان يريد محمّد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله)؟ أكان يريد غير ذلك؟ إنّه أراد للإنسان أن يقوم بعشق ويسكن بعشق ويسمع بعشق ويقول بعشق ويرى بعشق ويتدبّر بعشق ، إنّ مراده هو الإنسان العاشق الحقيقي ، وبعشقه هذا يطير ويسمو إلى مبدأ العشق ، إلى مبدأ الخير والرحمة والجود ، ربّ الأرباب ، إله الأرض والسماء.