القاصد ذات الإنسان ، المخترق لبّه وخفاياه ، أحاسيسه وحناياه ، لينتشله من حضيض البهيمية شطر شوامخ العزّ والسعادة السرمدية ، دون ابتسار من حرّياته المشروعة وأهدافه الجادّة ، فغدا رائد الطامح وملاذ التائه ودليل الحائر وكهف البائس وبَرّ الخائف ومُنجي الهارب.
وما كانت الإحن والأضغان والمتاعب والويلات لتحول بين الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله) وبلوغ المرام ، فلقد أرساها ـ كما أرادها ربّ العالمين ـ على مرافئ الفخر والمجد علياءَ شمّاء ، متلألئةً بضياء أنوار السماء ، كاشفةً دياجير العادات المقيتة والعصبيات القبلية والنعرات الجاهلية والأعراف البالية والمفاهيم الخاوية ، فاتحةً آفاقاً رحبة وسبلاً واسعةً لنهضة شاملة تنقل الأُمّة نقلةً نوعيةً تأريخيةً من واقع التخلّف والاضطهاد إلى التطوّر العظيم والنعيم المقيم.
وإذ ألكم (صلى الله عليه وآله) أفواه الرفض ودفع بترّهات النفاق والضلالة والتشكيك إلى مهاوي العزلة والخسران المبين ، وجابه فنون البلاغة والفصاحة والبيان المزدهرة آنذاك ـ ولا سيّما ثقافة الشعر والأدب ـ مجابهةً منحته نياشين النصر بكلّ فخر واعتزاز ، وانقادت له الألباب والمشاعر بكلّ انتماءاتها وطبقاتها وألوانها ; فلأجل عدم نطقه (صلى الله عليه وآله) عن الهوى ، بل عن وحي يوحى ، فلا غرو أن يصدر من ثغره الشريف ما هو الأبلغ الأفصح والأسلم الأصحّ والأبين الأحكم ، صادراً سماوياً مشبعاً بعلوم الأمس والساعة والغد ، بالمعرفة النابضة والثقافة الحيّة ، بالنظم والقوانين والمناهج