فإنّ الزجّاج والفرّاء ومن أشبههما من النحويين أفرغوا وسعهم في ما يتعلّق بالإعراب والتصريف.
ومفضّل بن سلمة وغيره استكثروا من علم اللغة واشتقاق الألفاظ.
والمتكلّمين ـ كأبي علي الجبّائي وغيره ـ صرفوا همّتهم إلى ما يتعلّق بالمعاني الكلامية.
ومنهم من أضاف إلى ذلك : الكلام في فنون عامّة ، فأدخل فيه ما لا يليق به من بسط فروع الفقه واختلاف الفقهاء ، كالبلخي وغيره.
وأصلحُ من سلك في ذلك مسلكاً جميلاً مقتصداً : محمّد بن بحر أبومسلم الأصفهاني وعلي بن عيسى الرمّاني ، فإنّ كتابيهما أصلحُ ما صُنّف في هذا المعنى ، غير أنّهما أطالا الخطب فيه ، وأوردا فيه كثيراً ممّا لا يحتاج إليه.
وسمعتُ جماعةً من أصحابنا ـ قديماً وحديثاً ـ يرغبون في كتاب مقتصد يشتمل على جميع فنون علم القرآن ، من القراءات ، والمعاني ، والإعراب ، والكلام على المتشابه ، والجواب عن مطاعن الملحدين فيه ، وأنواع المبطلين كالمجبّرة والمشبّهة والمجسّمة وغيرهم ، وذكر ما يختصّ أصحابنا به من الاستدلال بمواضع كثيرة منه على صحّة مذاهبهم في أُصول الديانات وفروعها.
وأنا ـ إن شاء الله تعالى ـ أشرع في ذلك على وجه الإيجاز والاختصار ، ولكلّ فنّ من فنونه ، ولا أُطيل فيملّه الناظر فيه ، ولا أختصر اختصاراً يقصر فهمه عن معانيه.