وأضعف الحسّ المادّي لكي يتفرّغ لاستقبال تجلّيات الله وإشراق أنوار الحقيقة العظمى على ذاته ، فلا ترى بينه وبينها عائقاً ، ولا ترى عند غيره هذا الاستعداد الذي تراه عنده ، ومن يقرأ تفسيره لآية النور التي تدلّ على قدرة القادر وجماله وجلاله يرى الشيخ الطوسي وقد أصبح رمزاً في الوجود وخيالاً يلوح من بعيد وظلاًّ للحقيقة الأحدية التي يقوم كلّ شيء بسرّها وروحها (١).
ـ وكانت ثقافته ـ أي الشيخ (قدس سره) ـ وآراؤه موضع احترام القوم في عصره وبعد عصره ، فقد أثنوا عليه وعوّلوا على تصانيفه ، فقد أخذ العلم على جماعة عرفوا بالجمع والإحاطة ، فكان مَثَلَهم في الجمع والإحاطة.
على أنّه لم يكن متعصّباً ولا مقلّداً ، وإنما كان حرّ الفكر مستقلّ الرأي ، مع سماحة في النفس ونبل في الخلق.
وأمّا أُسلوبه فأُسلوب العالم المتّزن الطويل النفس ، والخبير بأساليب الحوار والجدل ، يعرض المسألة بإيجاز ، ويورد أحسن ما قيل فيها من الآراء والحجج ، ثم ينقد ويقوّم ويضعّف وينقض أو يقوّي ويستحسن.
ويمتاز الطوسي بالدقّة والأمانة في النقل والرواية ، فلا يذكر شاهداً إلاّ معزوّاً إلى قائله ، ولا خبراً إلاّ مصحوباً بسنده ، اللّهمّ إلاّ ما ذهل عن حافظته.
__________________
١. صالح عضيمة ، فنّ التعبير عند الطوسي ، الذكرى الألفية للشيخ الطوسي ، ج ٢ ص ٦٠٥ ـ ٦٢٠ (مطبوعات كلية الإلهيات والمعارف الإسلامية ـ مشهد ١٩٧٥ م).