خالي الذهن من أيّة فكرة ، كما ذهب إليه جون لوك ، أم هي خرفة من خرافات المذهب التجريبي ، كما ذهب إليه كارل بوبر ...
هل الاستقراء متكفّل بالكشف عن الواقع ، أم أنّها تبقى محاولات احتماليّة لإصابة الواقع دون العلم واليقين. وهل استطاع بعض كبار التجريبيّين إثبات دور للميتافيزيقيا باعتبارها ضروريّة لنموّ المعرفة وخصوبة الفروض ...
سلسلة من الأسماء والعناوين والنزاعات المعرفيّة التي شغلت الفضاءات المختصّة منذ القدم إلى يومنا هذا ، وستبقى حتى نهاية المطاف شغلها الشاغل مادامت حياة البشريّة عبارة عن مناجزات وتقابلات وصراعات تختلف باختلاف الأدوات والظروف.
مدارس ومذاهب ونظريّات ، مناهج وأدوات وآليّات ، لازالت تعجّ بها البشريّة وهي في خضمّ حركة دائمة ممزوجة بالجهد والعناء والشقاء والنتاج والفشل والنجاح ، بؤر سيطرة ومحاور استبداد وعوامل نفوذ وانتشار وبقاء وتغيير ... واقعٌ لا يمكن مغادرته وتجنّبه وإغفاله ، إنّما نحن محكومون بالتعامل معه ـ كلٌّ حسب مبناه وانتمائه ـ سلباً أم إيجاباً.
وممّا أفرزه الواقع : النهضة الصناعيّة التي شهدتها اُوربّا في النصف الثاني من الألفيّة الثانية ; إثر رواج المذهب التجريبي وانكماش الكنيسة وانحسار المدّ الديني ، وقد اعتبرت التجريبيّة أنّ الميتافيزيقيا ما هي إلاّ مضيعة وقت وعبث وهراء فارغ ، فانطلقت لتكتسح الدنيا بحضارتها