وتقنيّتها ونتاجها ، وصار الحسّ والتجربة والملاحظة ثقافةً وفكراً مهيمناً على العقول والمعايير ، واستُخلِص الكونُ بأكمله على أنّه موجود خاضع لنظام الميكانيكا لا غير ، فلا قوّة عليا مسيطرة ولا ميتافيزيقيا ولا إله يخلق ويحكم ويدبّر. إلاّ أنّها بذاتها ـ أي الحركة العلميّة التجريبيّة التي قادت اُوربّا وأميركا إلى القمّة والازدهار ـ لم تستطع إثبات : أنّ نتاجات التجربة المتكرّرة احتمالاتٌ ترقى لليقين شيئاً فشيئاً. بل إنّ تكرار التجارب يزيد الاحتمال قوّةً وثباتا. وعدم الاستطاعة هذا ، أكّده روّاد التجريبيّة مؤخّراً واعتُبر تكرارُ التجارب غير ذي نفع في دعم الاحتمال المرجوّ من خلاله بلوغ ذلك اليقين ، وهذا الرأي بدأ بالانتشار وساد في القرنين الأخيرين ، ممّا يعني بقاء «الاحتمال» احتمالاً ليس إلاّ ، مضافاً إلى ذلك ذهاب بعض التجريبييّن إلى عدّ الميتافيزيقيا عاملاً مؤثّراً وضروريّاً في خصوبة الفروض والتجارب!! فماذا يعني هذا؟!
ثم ماذا يعني عجز الاستقراء التجريبي عن التعميم اليقيني من الجزء والمصداق إلى الكلّ والعامّ رغم عظم الجهد والمساعي الحثيثة؟!
إنّ كارل بوبر (١٩٠٢ م ـ ١٩٩٤ م) صاحب «منطق البحث العلمي» وصاحب الآراء والأفكار الحيّة إلى يومنا هذا ، العدوّ اللدود للمنطقيّة الوضعيّة وصاحب المناقشات الساخنة مع رايشنباخ أحد روّاد التجريبيّة والمتمسّك القويّ بالاستقراء والمنابذ العنيد للميتافيزيقيا ، كار بوبر هذا ، جعل دوراً للميتافيزيقيا بحجّة ضرورتها لنموّ المعرفة وخصوبة الفروض. كيف يمكن لتجريبيٍّ مثله إثبات دور للغيبيّات ولاسيّما أنّ التجريبيّة لا تقرّ