لها وجوداً أبدا ، ويبدو أنّ الحصيلة التي توصّل إليها بوبر بعدم قدرة التجارب المتكرّرة على مضاعفة الاحتمال وتقويته جعلته يفكّر جدّيّاً بطريق جمع ، ولكنّها محاولة أشبه بالجمع بين النقيضين ، أو هي مؤشّر تراجع واعتراف بفشل التجريبيّة في إثبات فروضها الحسّيّة المحضة ، فغدت تتخبّط في اختيار هذا العلاج أو ذاك.
والأعجب ما في الأمر أنّ التجريبيّة جانبت العلوم الإنسانيّة وتنكّرت لها واحتقرتها أيّ احتقار ، ولم تعر للأحاسيس والمشاعر والصفات والحالات الإنسانيّة اهتماماً خاصّاً ، حيث شغلت نفسها بالتجربة والملاحظة والطبيعة وظواهرها ، وقضت العمر في استخلاص النتائج العلميّة التي تقود إلى الصناعة والتقنيّة بغفلة كاملة عن الإنسان ونزعاته ومعاناته وآلامه وأفراحه ... وإن ظهر اهتمام من التجريبيّة مؤخّراً بالعلوم الإنسانيّة فلأجل الخسارة الفادحة والنقص الكبير الذي عانت منه طيلة فترة الانشغال بالعلوم التجريبيّة والطبيعيّة ممّا جعلها في واد والإنسان بصفاته وحالاته وأعماقه في واد آخر. والمحاولات المتأخّرة لم تشفع للتجريبيّة في ردم الهوّة وكسر الفجوة المذكورة.
نعم ، حين يأمل الإنسان ويألم ويحزن ويعاني ويشدو وتأخذه النزعات النفسيّة من هنا إلى هناك ، وحين يحاول التشبّث بشيء ما انطلاقاً من نداء الروح والحنايا تجده يجدّ في البحث عن شيء مفقود ، عن شيء هو بحاجة ماسّة إليه ، فيرى أنّ ضالّته هذا الحسّي أو ذاك .. لكنّه لا يكتفي ويظلّ دائم البحث عن شيء ما ، فيكرّر المحاولة في ذاك الحسّي