أقول : تخصيص الأمرين الأخيرين بالفقيه بلا مخصّص ؛ لأنّ العلّة الموجبة لهما المذكورة في كلامه جارية في جميع مؤلّفات الصدوق قدّس سره ، سوى ضمانه الخاص بالفقيه.
ثمّ التعارض قد يكون باختلاف في المتن فقط مع اتّحاد السند في الفقيه وغيره ، وقد يكون باختلاف المتن والسند ، ومقتضى إطلاق الكلام السّابق شموله لكلا الفرضين.
ثمّ الأمر الأوّل نشأ من حسن ظن قوي شديد بالصدوق رحمهالله خارجا عن مساحة الاستدلال ، وقد عرفت ما فيه ، من أنّ التّصحيح عملية اجتهاديّة.
ومنه يظهر سقوط الأمر الثّاني أيضا ، وأنّ زيادة الحفظ وحسن الحفظ و ... إن تمّت في نفسها لا توجب الترجيح ، مع أنّ بعضها لا يجري في حقّ التهذيبين المتأخّرين تأليفا.
والأمر الثالث فيه قولان ، قول بحجّيّة مرسلاته مطلقا ، كما في كلام السّيد وجمع ، وقول بحجيتها إذا كانت مستندة إلى المعصوم بصيغة جزمية فقط ، يقول السّيد الداماد : لو لم يكن الوسيط الساقط عدلا عند المرسل لما ساغ له أسناد الحديث إلى المعصوم ... كما لو قال المرسل : قال النّبي صلىاللهعليهوآله أو قال المعصوم عليهالسلام ذلك ، وذلك مثل قول الصدوق ... في الفقيه : قال عليهالسلام الماء يطهر ولا يطهر ؛ اذ مفاده الجزم ، أو الظّن بصدور الحديث عن المعصوم ، فيجب أن تكون الوسائط عدولا في ظنه ، وإلّا كان الحكم الجازم بالاسناد هادما جلالته وعدالته. (١)
وقد ارتضاه جمع ، ومعنى ذلك عدم حجيّتها إذا قال المرسل روي عن النّبيّ صلىاللهعليهوآله أو الإمام عليهالسلام أو روي فلان عنه عليهالسلام وكان الرّاوي مجهولا أو ضعيفا.
وعلى كلّ هذا القول غير خاص بالفقيه ولا بالصدوق.
أقول : ويضعّف كلا القولين بأنّ اعتقاد المرسل بصحّة رواية وصدورها ، قد يكون بوثاقة الرّواة ، وقد يكون بقرائن اجتهادية تختلف فيها الآراء ، وكلام الصدوق المنقول سابقا كالنصّ بل قصدت إلى إيراد ما أفتى به ، وأحكم بصحته ، واعتقد أنّه حجّة ... ، في ذلك.
نعم. لو ثبت أنّ المرسل لا يرسل إلّا عن ثقة لا يرد على مرسلاته هذا الإشكال.
لا يقال : فأمر مرسلات الصدوق أو غيره إذا عبر بصيغة جزميّة دائرة بين الحدس ، وما ينتهي إلى الحسّ عن صادق عن صادق عن الإمام عليهالسلام ، وبناء العقلاء قائم على أنّ الإخبار عن الأشياء الحسيّة ـ عند الشّك في كونه مستندا إلى الحسّ أو الحدس يحمل
__________________
(١) محكي الرواشح السّماوية : ١٧٤.