أقول : لا نفسّر التّصحيح بالتوثيق ، بل نقول : المراد هو تصحيح الرّواية ومضمونها بالنّسبة إلى هؤلآء ، لا مطلقا ، كما يقال في الصّحيح إلى ابن أبي عمير عن بعض رجاله ، وهذا التّصحيح النسبي يستلزم توثيق هؤلآء فقط بالإجماع.
نعم ، هو خلاف إطلاق العبارة المبيّنة لمعقد الإجماع ، وبهذا الإطلاق يضعف القول الرابع والثالث أيضا ، فإنّ قضيّة إطلاق العبارة المذكورة هي صحّة الرّواية الثّابتة عنهم مطلقا ، ولو كان المروي عنه لهم ضعيفا كاذبا ، والإنصاف إنّ المقام مشكل من جهة إطلاق الكلام ومن عدم ذكرها في الطبقة الأوّلى بضميمة ما قلنا من عدم أفضليّة الطبقتين الأخيرتين على الطبقة الأولى.
والأستاذ المحقّق أهمل النّظر إلى الأوّل (١) ، والمحدّث النّوري غفل عن الثّاني (٢) فأصرّ كلّ واحد على خلاف الآخر.
ولو دار الأمر بين اختيار أحدهما لاخترنا حمل التّصحيح على تصحيح الرّواية ـ المروي بالنّسبة ـ ، فإنّه أسهل من إثبات مزيّة زائدة للطبقتين على الطبقة الاوّلى. وكيف يجرأ الإنسان على تصحيح مئات أو آلاف الروايات أو توثيق مئات الرجال بمجرّد إطلاق كلام أحد؟
بل لا يبعد أن تكون جملة : وتصديقهم فيما يقولون عطف بيان لقوله : تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء.
وعليه فلا إطلاق في كلام الكشّي فإنّ الإجماع ـ على هذا ـ انعقد على تصديقهم في ما يقولون لا مطلقا.
وبالجملة : مقتضى الجمود على إطلاق كلام الكشّي أنّ ما يصحّ عن أحد من الطّبقتين ـ الثانية والثالثة ـ من الفتاوى والتّوثيقات والتّصحيحات ، ولو في روايات لم يروها بنفسه ، يجب تصحيحها وقبولها. ومن يقبل هذا الإطلاق ، فهو أحقّ أن يشكّ في اجتهاده واستقامة ذوقه.
والأحسن بنا أن ننقل الكلام من مقام الإثبات إلى مقام الثّبوت زيادة لتحقيق الحال فنقول :
إنّ تصحيح روايات هؤلآء ـ ثمانية عشر (٣) أو اثنى عشر رجلا ـ ينشأ عن أحد الأسباب التالية :
أحدها : إخبار هؤلآء الرّجال بأنّهم لا يروون إلّا عن ثقة أو صادق.
__________________
(١) معجم رجال الحديث : ١ / ٥٣. ولعلّه لانصراف الإطلاق إلى تصحيح الرّواية ـ بالمعنى المصدري ـ إلى المروي عنه لهم فقط ، كما هو محتمل غير بعيد.
(٢) بل زعم وحدة المعنى للعبارتين في الموارد الثّلاثة ، وهو واضح الفساد.
(٣) بل أكثر لما مرّ من شمول كلام الكشّي في الطبقة الأوّلى لغير السّتّة المذكورين.