وأمّا السّبب السّابع ، فهو وإن كان ممكنا على بعد بعيد إلّا إنّ إثباته بالإجماع المنقول غير المعتبر ، غير ممكن ، ودعوى إنّ الإجماع مفيد للظنّ ، والظنّ حجّة في المسائل الرجاليّة ممنوعة صغرى وكبرى ، فإنّا غير ظانّين به ولا دليل على حجيّة الظّنّ في الرجال إلّا ما ادّعى عليه من الإجماع عليها ، فيؤل الأمر إلى حجيّة الإجماع المنقول بالإجماع المنقول ، وفساده أوضح من أن يخفى.
والمتحصّل من الجميع بعد التجنّب عن إثبات الأمور الخارقة للعادات بإطلاق كلام العلماء ، وهو صحّة القول الأوّل ، ومع عدم التجنّب المذكور نختار القول الثّاني ، ولا دليل على القولين الآخرين ، والله أعلم بالصواب.
نعم ، إذا قلنا : إنّ الصّحيح عند القدماء عين ما هو عند المتأخّرين ـ كما يدّعيه النوري ـ يصحّ القول الثالث عوض القول الثّاني.
الرابع : إنّ حجيّة هذا الإجماع المدعى في كلام الكشّي ليست من جهة حجيّة الإجماع المنقول ، فإنّا لا نقول بها ، ولو كان ناقله من هو فوق الكشّي كالشّيخ الطّوسي قدسسره بل لأجل كشفه عن وجود جماعة من الموثّقين ، وقد سبق إنّا نعتبر قول مخبر واحد في التّوثيق خلافا لمن اعتبر التّعدّد فيه.
الخامس : جعل هؤلآء الأفراد في ثلاث طبقات أو حلقات غير مناسب ، بل كان على الكشّي أن يقسمّهم على حلقات أكثر منها ، وقد فصّل هذا الموضوع الفاضل الكلباسي على أشكال في بعض كلامه. (١)
السّادس : بالغ المحدّث النّوري ، فإنّه بعد اختياره القول الثالث ذهب إلى حجيّة فتاوى هؤلآء الأشخاص (٢) ؛ لإطلاق الموصول في قول الكشّي : تصحيح ما يصحّ عنهم ولم يكتف به حتّى قال (٣) :
|
إنّ ما ذكرنا من الوجه في عدم جواز الحكم بصحّة حديث راو على الإطلاق إلّا من جهة وثاقته ووثاقة من بعده إلى المعصوم عليهالسلام ، وفساد احتمال كونه من جهة القرائن ، جار في قولهم في بعض التّراجم : صحيح الحديث. |
__________________
(١) سماء المقال : ٢ / ٣١٩ ، الطّبعة المحقّقة.
(٢) خاتمة المستدرك : ٣ / ٧٦٨.
(٣) المصدر : ٧٦٩.