وأما المروة فرأس هو منتهى جبل قعيقعان. وسمي الصفا لأن حجارته من الصّفا وهو الحجر الأملس الصّلب ، وسميت المروة مروة لأن حجارها من المرو وهي الحجارة البيضاء اللينة التي توري النار ويذبح بها لأن شذرها يخرج قطعا محددة الأطراف وهي تضرب بحجارة من الصفا فتتشقق قال أبو ذؤيب :
حتى كأنّي للحوادث مروة |
|
بصفا المشقّر (١) كلّ يوم تفرع |
وكأن الله تعالى لطف بأهل بمكة فجعل لهم جبلا من المروة للانتفاع به في اقتداحهم وفي ذبائحهم ، وجعل قبالته الصفا للانتفاع به في بنائهم.
والصفا والمروة بقرب المسجد الحرام وبينهما مسافة سبعمائة وسبعين ذراعا وطريق السعي بينهما يمر حذو جدار المسجد الحرام ، والصفا قريب من باب يسمى باب الصفا من أبواب المسجد الحرام ويصعد الساعي إلى الصفا والمروة بمثل المدرجة.
والشعائر جمع شعيرة بفتح الشين وشعارة بكسر الشين بمعنى العلامة مشتق من شعر إذا علم وفطن ، وهي فعيلة بمعنى مفعولة أي معلم بها ومنه قولهم أشعر البعير إذا جعل له سمة في سنامه بأنه معد للهدي. فالشعائر ما جعل علامة على أداء عمل من عمل الحج والعمرة وهي المواضع المعظمة مثل المواقيت التي يقع عندها الإحرام ، ومنها الكعبة والمسجد الحرام والمقام والصفا والمروة وعرفة والمشعر الحرام بمزدلفة ومنى والجمار.
ومعنى وصف الصفا والمروة بأنهما من شعائر الله أن الله جعلهما علامتين على مكان عبادة كتسمية مواقيت الحج مواقيت فوصفهما بذلك تصريح بأن السعي بينهما عبادة إذ لا تتعلق بهما عبادة جعلا علامة عليها غير السعي بينهما ، وإضافتهما إلى الله لأنهما علامتان على عبادته أو لأنه جعلهما كذلك.
وقوله : (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ) تفريع على كونهما من شعائر الله ، وأن السعي بينهما في الحج والعمرة من المناسك فلا يريبه ما حصل فيهما من صنع الجاهلية لأن الشيء المقدس لا يزيل تقديسه ما يحف به من سيئ العوارض ، ولذلك نبه بقوله (فَلا جُناحَ) على نفي ما اختلج في نفوسهم بعد الإسلام كما في حديث عروة عن عائشة رضياللهعنها.
__________________
(١) المشفر كمعظم حبل باليمين تتخذ من حجارته فؤوس تكسر الحجارة لصلابتها.