والجناح بضم الجيم الإثم مشتق من جنح إذا مال لأن الإثم يميل به المرء عن طريق الخير ، فاعتبروا فيه الميل عن الخير عكس اعتبارهم في حنف أنه ميل عن الشر إلى الخير.
والحج اسم في اللغة للقصد وفي العرف غلب على قصد البيت الحرام الذي بمكة لعبادة الله تعالى فيه بالطواف والوقوف بعرفة والإحرام ولذلك صار بالإطلاق حقيقة عرفية في هذا المعنى جنسا بالغلبة كالعلم بالغلبة ولذلك قال في «الكشاف» «وهما (أي الحج والعمرة) في المعاني كالنجم والبيت في الذّوات (١)» ، فلا يحتاج إلى ذكر مضاف إليه إلّا في مقام الاعتناء بالتنصيص ولذلك ورد في القرآن مقطوعا عن الإضافة نحو (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) إلى قوله : (وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) [البقرة : ١٩٧] ، وورد مضافا في قوله : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) [آل عمران : ٩٧] لأنه مقام ابتداء تشريع فهو مقام بيان وإطناب. وفعل حج بمعنى قصد لم ينقطع عن الإطلاق على القصد في كلام العرب فلذلك كان ذكر المفعول لزيادة البيان. وأما صحة قولك حج فلان وقوله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله كتب عليكم الحج فحجّوا» بدون ذكر المفعول فذلك حذف للتعويل على القرينة فغلبة إطلاق الفعل على قصد البيت أقل من غلبة إطلاق اسم الحج على ذلك القصد.
والعمرة اسم لزيارة البيت الحرام في غير وقت الحج أو في وقته بدون حضور عرفة فالعمرة بالنسبة إلى الحج مثل صلاة الفذ بالنسبة لصلاة الجماعة ، وهي بصيغة الاسم علم الغلبة على زيارة الكعبة ، وفعلها غلب على تلك الزيارة تبعا لغلبة الاسم فساواه فيها ولذلك لم يذكر المفعول هنا ولم يسمع. والغلبة على كل حال لا تمنع من الإطلاق الآخر نادرا.
ونفي الجناح عن الذي يطوف بين الصفا والمروة لا يدل على أكثر من كونه غير منهي عنه فيصدق بالمباح والمندوب ، والواجب والرّكن ، لأن المأذون فيه يصدق بجميع المذكورات فيحتاج في إثبات حكمه إلى دليل آخر ولذلك قالت عائشة لعروة «لو كان كما تقول لقال فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما» ، قال ابن العربي في «أحكام القرآن» إن قول القائل لا جناح عليك أن تفعل إباحة للفعل وقوله لا جناح عليك أن لا تفعل إباحة لترك الفعل فلم يأت هذا اللفظ لإباحة ترك الطواف ولا فيه دليل عليه وإنما جاء لإفادة إباحة
__________________
(١) في الكشاف ، والنقل منه ، (الأعيان).