والله لو أنّ فاطمة سرقت لقطعت يدها».
وفي تحقيق معنى السرقة ونصاب المقدار المسروق الموجب للحدّ وكيفية القطع مجال لأهل الاجتهاد من علماء السلف وأئمّة المذاهب وليس من غرض المفسّر. وليس من عادة القرآن تحديد المعاني الشّرعية وتفاصيلها ولكنّه يؤصّل تأصيلها ويحيل ما وراء ذلك إلى متعارف أهل اللّسان من معرفة حقائقها وتمييزها عمّا يشابهها.
فالسارق : المتّصف بالسرقة. والسرقة معروفة عند العرب مميّزة عن الغارة والغصب والاغتصاب والخلسة ، والمؤاخذة بها ترجع إلى اعتبار الشيء المسروق ممّا يشحّ به معظم النّاس.
فالسرقة : أخذ أحد شيئا ما يملكه خفية عن مالكه مخرجا إيّاه من موضع هو حرز مثله لم يؤذن آخذه بالدخول إليه.
والمسروق : ما له منفعة لا يتسامح النّاس في إضاعته. وقد أخذ العلماء تحديده بالرجوع إلى قيمة أقلّ شيء حكم النّبيء صلىاللهعليهوسلم بقطع يد من سرقه. وقد ثبت في الصّحيح أنّه حكم بقطع يد سارق حجفة ـ بحاء مهملة فجيم مفتوحتين ـ (ترس بن جلد) تساوي ربع دينار في قول الجمهور ، وتساوي دينارا في قول أبي حنيفة ، والثوري ، وابن عبّاس ، وتساوي نصف دينار في قول بعض الفقهاء.
ولم يذكر القرآن في عقوبة السارق سوى قطع اليد. وقد كان قطع يد السارق حكما من عهد الجاهليّة ، قضى به الوليد بن المغيرة فأقرّه الإسلام كما في الآية. ولم يرد في السنّة خبر صحيح إلّا بقطع اليد. وأوّل رجل قطعت يده في الإسلام الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، وأوّل امرأة قطعت يدها المخزومية مرّة بنت سفيان.
فاتّفق الفقهاء على أنّ أوّل ما يبدأ به في عقوبة السارق أن تقطع يده. فقال الجمهور : اليد اليمنى ، وقال فريق : اليد اليسرى ، فإن سرق ثانية ، فقال جمهور الأئمّة : تقطع رجله المخالفة ليده المقطوعة. وقال عليّ بن أبي طالب : لا يقطع ولكن يحبس ويضرب. وقضى بذلك عمر بن الخطّاب ، وهو قول أبي حنيفة. فقال عليّ : إنّي لأستحيي أن أقطع يده الأخرى فبأي شيء يأكل ويستنجي أو رجله فعلى أي شيء يعتمد ؛ فإن سرق الثّالثة والرّابعة فقال مالك والشّافعي : تقطع يده الأخرى ورجله الأخرى ، وقال الزهري : لم يبلغنا في السنّة إلّا قطع اليد والرّجل لا يزاد على ذلك ، وبه قال أحمد بن حنبل ،