على المماثلة في العقوبة ، كما إذا جرحه مأمومة على رأسه فإنّه لا يدري حين يضرب رأس الجاني ما ذا يكون مدى الضّربة فلعلّها تقضي بموته ؛ فينتقل إلى الدية كلّها أو بعضها. وهذا كلّه في جنايات العمد ، فأمّا الخطأ فلم تتعرض له الآية لأنّ المقصود أنّهم لم يقيموا حكم التوراة في الجناية.
وقرأ نافع ، وحمزة ، وعاصم ، وأبو جعفر ، وخلف (وَالْجُرُوحَ) ـ بالنّصب ـ عطفا على اسم (أنّ). وقرأه ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو ، والكسائي ، ويعقوب ـ بالرّفع ـ على الاستئناف ، لأنّه إجمال لحكم الجراح بعد ما فصّل حكم قطع الأعضاء.
وفائدة الإعلام بما شرع الله لبني إسرائيل في القصاص هنا زيادة تسجيل مخالفتهم لأحكام كتابهم ، وذلك أنّ اليهود في المدينة كانوا قد دخلوا في حروب بعاث فكانت قريظة والنضير حربا ، ثمّ تحاجزوا وانهزمت قريظة ، فشرطت النضير على قريظة أنّ دية النضيري على الضعف من دية القرظي وعلى أنّ القرظي يقتل بالنضيري ولا يقتل النضيري بالقرظي ، فأظهر الله تحريفهم لكتابهم. وهذا كقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) ـ إلى قوله ـ (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) [البقرة : ٨٤ ، ٨٥]. ويجوز أن يقصد من ذلك أيضا تأييد شريعة الإسلام إذ جاءت بمساواة القصاص وأبطلت التكايل في الدّماء الّذي كان في الجاهلية وعند اليهود. ولا شكّ أنّ تأييد الشّريعة بشريعة أخرى يزيدها قبولا في النّفوس ، ويدلّ على أنّ ذلك الحكم مراد قديم لله تعالى ، وأنّ المصلحة ملازمة له لا تختلف باختلاف الأقوام والأزمان ، لأنّ العرب لم يزل في نفوسهم حرج من مساواة الشّريف الضّعيف في القصاص ، كما قالت كبشة أخت عمرو بن معد يكرب تثأر بأخيها عبد الله بن معد يكرب :
فيقتل جبرا بامرئ لم يكن له |
|
بواء ولكن لا تكايل بالدّم (١) |
تريد : رضينا بأن يقتل الرجل الذي اسمه (جبر) بالمرء العظيم الّذي ليس كفؤا له ، ولكن الإسلام أبطل تكايل الدّماء. والتكايل عندهم عبارة عن تقدير النّفس بعدّة أنفس ، وقد قدّر شيوخ بني أسد دم حجر والد امرئ القيس بديات عشرة من سادة بني أسد فأبى امرؤ القيس قبول هذا التّقدير وقال لهم : «قد علمتم أن حجرا لم يكن ليبوء به شيء» ـ
__________________
(١) البيت لامرأة من طي وهو من شعر «الحماسة» ، يقال : إنّه لكبشة أخت عمرو بن معد يكرب بنت بهدل الطائي. وجبر هذا اسم قاتل أبيها.