وقد اتّفق علماء السنّة على أنّ ما دون الرّضا بالكفر وممالاتهم عليه من الولاية لا يوجب الخروج من الربقة الإسلاميّة ولكنّه ضلال عظيم ، وهو مراتب في القوّة بحسب قوّة الموالاة وباختلاف أحوال المسلمين.
وأعظم هذه المراتب القضية الّتي حدثت في بعض المسلمين من أهل غرناطة الّتي سئل عنها فقهاء غرناطة : محمد الموّاق ، ومحمد بن الأرزق ، وعليّ بن داود ، ومحمد الجعدالة ، ومحمد الفخار ، وعليّ القلصادي ، وأبو حامد بن الحسن ، ومحمد بن سرحونة ، ومحمد المشذّالي ، وعبد الله الزليجي ، ومحمد الحذام ، وأحمد بن عبد الجليل ، ومحمد بن فتح ، ومحمد بن عبد البرّ ، وأحمد البقني ، عن عصابة من قواد الأندلس ، وفرسانهم لجئوا إلى صاحب قشتالة (بلاد النصارى) بعد كائنة (اللّسانة) ـ كذا ـ واستنصروا به على المسلمين واعتصموا بحبل جواره وسكنوا أرض النّصارى فهل يحلّ لأحد من المسلمين مساعدتهم ولأهل مدينة أو حصن أن يأووهم. فأجابوا بأنّ ركونهم إلى الكفار واستنصارهم بهم قد دخلوا به في وعيد قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) فمن أعانهم فهو معين على معصية الله ورسوله ، هذا ما داموا مصرّين على فعلهم فإن تابوا ورجعوا عمّا هم عليه من الشقاق والخلاف فالواجب على المسلمين قبولهم (١).
فاستدلالهم في جوابهم بهذه الآية يدلّ على أنّهم تأوّلوها على معنى أنّه منهم في استحقاق المقت والمذمة ، وهذا الّذي فعلوه ، وأجاب عنه الفقهاء هو أعظم أنواع الموالاة بعد موالاة الكفر. وأدنى درجات الموالاة المخالطة والملابسة في التّجارة ونحوها. ودون ذلك ما ليس بموالاة أصلا ، وهو المعاملة. وقد عامل النّبيء صلىاللهعليهوسلم يهود خيبر مساقاة على نخل خيبر ، وقد بيّنّا شيئا من تفصيل هذا عند قوله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) في سورة آل عمران [٢٨].
وجملة (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) تذييل للنّهي ، وعموم القوم الظّالمين شمل اليهود والنّصارى ، وموقع الجملة التذييلية يقتضي أنّ اليهود والنّصارى من القوم الظّالمين بطريق الكناية. والمراد بالظّالمين الكافرون.
وقوله : (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ) تفريع لحالة من موالاتهم أريد وصفها للنّبي صلىاللهعليهوسلم لأنّها وقعت في حضرته. والمرض هنا أطلق على النفاق كما تقدّم
__________________
(١) انظر «جامع المعيار».