وقوله : (يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) قرأه الجمهور (يَقُولُ) بدون واو في أوّله على أنّه استئناف بياني جواب لسؤال من يسأل : ما ذا يقول الّذين آمنوا حينئذ. أي إذا جاء الفتح أو أمر من قوة المسلمين ووهن اليهود يقول الّذين آمنوا
وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف (وَيَقُولُ) بالواو ـ وبرفع (يَقُولُ) عطفا على (فَعَسَى اللهُ) ، وقرأه أبو عمرو ، ويعقوب ـ بالواو ـ أيضا وبنصب (يَقُولُ) عطفا على (أَنْ يَأْتِيَ). والاستفهام في (أَهؤُلاءِ) مستعمل في التعجّب من نفاقهم.
و (هؤُلاءِ) إشارة إلى طائفة مقدّرة الحصول يوم حصول الفتح ، وهي طائفة الّذين في قلوبهم مرض. والظاهر أنّ (الَّذِينَ) هو الخبر عن (هؤُلاءِ) لأنّ الاستفهام للتّعجب ، ومحلّ العجب هو قسمهم أنّهم معهم ، وقد دلّ هذا التعجّب على أنّ المؤمنين يظهر لهم من حال المنافقين يوم إتيان الفتح ما يفتضح به أمرهم فيعجبون من حلفهم على الإخلاص للمؤمنين.
وجهد الأيمان ـ بفتح الجيم ـ أقواها وأغلظها ، وحقيقة الجهد التعب والمشقّة ومنتهى الطاقة ، وفعله كمنع. ثم أطلق على أشدّ الفعل ونهاية قوّته لما بين الشدّة والمشقّة من الملازمة ، وشاع ذلك في كلامهم ثمّ استعمل في الآية في معنى أوكد الأيمان وأغلظها ، أي أقسموا أقوى قسم ، وذلك بالتّوكيد والتّكرير ونحو ذلك ممّا يغلّظ به اليمين عرفا. ولم أر إطلاق الجهد على هذا المعنى فيما قبل القرآن. وانتصب (جَهْدَ) على المفعولية المطلقة لأنّه بإضافته إلى «الأيمان» صار من نوع اليمين فكان مفعولا مطلقا مبيّنا للنّوع. وفي «الكشاف» في سورة النّور جعله مصدرا بدلا من فعله وجعل التّقدير : أقسموا بالله يجهدون أيمانهم جهدا ، فلمّا حذف الفعل وجعل المفعول المطلق عوضا عنه قدّم المفعول المطلق على المفعول به وأضيف إليه.
وجملة (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) استئناف ، سواء كانت من كلام الّذين آمنوا فتكون من المحكي بالقول ، أم كانت من كلام الله تعالى فلا تكونه. وحبطت معناه تلفت وفسدت ، وقد تقدّم في قوله تعالى : (فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) في سورة البقرة [٢١٧].
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ