(أنشده في «الكشاف» ولم يعزه هو ولا شارحوه) :
جاد الحمى بسط اليدين بوابل |
|
شكرت نداه تلاعه ووهاده |
وجملة (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) بيان لاستعارة (يَداهُ مَبْسُوطَتانِ). و (كَيْفَ) اسم دالّ على الحالة وهو مبني في محلّ نصب على الحال. وفي قوله : (كَيْفَ يَشاءُ) زيادة إشارة إلى أن تقتيره الرزق على بعض عبيده لمصلحة ، مثل العقاب على كفران النعمة ، قال تعالى : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) [الشورى : ٢٧].
(وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً).
عطف على جملة (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ). وقع معترضا بين الردّ عليهم بجملة (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) وبين جملة (وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) ، وهذا بيان للسبب الّذي بعثهم على تلك المقالة الشنيعة ، أي أعماهم الحسد فزادهم طغيانا وكفرا ، وفي هذا إعداد للرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ لأخذ الحذر منهم ، وتسلية له بأنّ فرط حنقهم هو الّذي أنطقهم بذلك القول الفظيع.
(وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ).
عطف على جملة (وَلُعِنُوا بِما قالُوا) عطف الخبر على الإنشاء على أحد الوجهين فيه. وفي هذا الخبر الإيماء إلى أنّ الله عاقبهم في الدّنيا على بغضهم المسلمين بأن ألقى البغضاء بين بعضهم وبعض ، فهو جزاء من جنس العمل ، وهو تسلية للرّسول صلىاللهعليهوسلم أن لا يهمّه أمر عداوتهم له ، فإنّ البغضاء سجيتهم حتّى بين أقوامهم وأنّ هذا الوصف دائم لهم شأن الأوصاف الّتي عمي أصحابها عن مداواتها بالتخلّق الحسن. وتقدّم القول في نظيره آنفا.
(كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).
تركيب (أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) تمثيل ، شبّه به حال التهيّؤ للحرب والاستعداد لها والحزامة في أمرها ، بحال من يوقد النّار لحاجة بها فتنطفئ ، فإنّه شاعت استعارات معاني التسعير والحمي والنّار ونحوها للحرب ، ومنه حمي الوطيس ، وفلان مسعر حرب ، ومحشّ حرب ، فقوله : (أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ) كذلك ، ولا نار في الحقيقة ، إذ لم يؤثر عن العرب أنّ لهم نارا تختصّ بالحرب تعدّ في نيران العرب الّتي يوقدونها لأغراض. وقد وهم من ظنّها حقيقة ، ونبّه المحقّقون على وهمه.